الثلاثاء، 16 ديسمبر 2014

العقاب الإلهي

أشارت السيدة العزيزة وجيهة الحويدر في خاطرة سابقة يعصرها الألم عن مفهوم  "العقاب الألهي" عند عامة الناس، ولحسرتها هذه ما يبررها.

فهذا الفهم هو من رواسب المنظومة السلفية التي تسلطت على الدين الاسلامي وفسرته مدّعية زورا وبهتانا أن منظورها للدين استقته من القرآن وسنة الرسول ص، وهو في أصله خوار وليس فكر. وذلك بسبب التعسف الذي مارسه المنهج السلفي (السني والشيعي) على القرآن حين سيجه بنصوص روائية ما أنزل الله بها من سلطان هي بعيدة كل البعد عن مقاصده، وأزاحته عن العقول واحتلت مكانه. وهذا يدعونا الى الإستدراك إلى حماية كتاب الله من النموذج المعرفي السلفي وسيطرة الفقهاء السلفيين الروائيين  والخروج من فهمهم القاصر لكتاب الله و احتكارهم له.

ونظرة السلفية لمفهوم العقاب الإلهي لا تخلو من كونه سيفا مسلطا من "القوي" على "الضعيف" وهذا المفهوم هو المسيطر على الديانات الوثنية القديمة التي جعلت لكل قوى الطبيعة تماثيل وأصنام وضعوها على الارض استجلابا لما في السماء واسترضاء لها، فعبدوها وعظموها، فكأنما العلاقة بين "الطين و الطيان" بين الخالق و المخلوق، هي علاقة صراع وحروب، الغالب فيها من يمتلك مواهب وقدرات إعجازية وأسطورية. وهذه الرؤية لهذه العلاقة المقدسة بقداسة الحب ظالمة لله. فهو الذي أحبنا فخلقنا كي نعرفه ونخلفه في كونه.

إن السلفية التي ابتكرت صراع متوهم غير متكافىء بين الله والإنسان، وجعلت من علاقة "الطين و الماء" مرتكزة عليه، عندها يسلط الله أقداره وملائكته المتمثلة بعوامل الطبيعة من ريح ومطر ونار وموت وغيرها، من "أدوات القهر" على العصاة  فيهزمهم و يبيدهم. فهي بذلك التفكير لا تعدو إلا سلفية مجرمة بحق الله وبحق البشر في نفس الوقت. فهاهم السلفيون قد ملؤوا الدنيا نعيقا بأن تسونامي ما هو إلا عقاباً جماعياً للبشرية، شبيه بالعقاب الذي حدث لقوم نوح. زاعمين أن كل ذلك السخط الإلهي يحدث نتيجة عدم انصياع البشر للشريعة وأحكامها التي بشر بها الانبياء. فمن الطبيعي أن يحل عليهم عقاب رباني خارق لنواميس الطبيعة، زاعمين أنه انتقام من الله لن ينجح الإنسان في النجاة والهروب منه. متناسين العلاقة الوثيقة بين الإنسان والطبيعة التي تثور إن جار الإنسان عليها و فرط في سخائها له.

فترسخ مفهوم المنتقم وشديد العقاب على صورة الإله بدلا من الرحمن والرحيم والغفور والودود والمنان والحنان. فأصبح الناس في ذعر وخوف من الله بدلا من الرجاء والأمل والحب. كل ذلك نتيجة الفكر السلفي الذي جعل من عوامل الطبيعة قوى مسلطة لمصلحة الله ومسخرة في انتصاره وانتقامه ضد من عصاه. هذا إضافة إلى ما ينتظر العصاة من عذاب القبر ثم عذاب جهنم الذي يصل إلى حد الخلود فيه.

فالإنسان -وفق السلفية- في رهبة دائمة وخوف ناتج عن اختلال توازن القوى لمصلحة "عدوه" الله. لأنه في حالة ضعف ولذا عليه الانصياع لأوامر الله وشرعه. ولا أدري كيف ساغ لهم أن يجعلوا من أنفسهم حاكمين على سنن الله وعلى خليفته. فأين هم من قوله تعالى "ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم" (النحل/١١٩). وقوله "إن الله كان تواباً رحيما". وقوله "إن الله غفور رحيم". وقوله "إنه لا يحب الظالمين" ( الشورى/ ٤٠). وقوله "من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد" ( فصلت/ ٤٦). وقوله "إن الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن ثمّ حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما" ( النساء/ ٤٠).

إن حكمة وجود الإنسان على وجه هذا الكون كخليفة لله وفهم تاريخ العلاقة بين الخليفة والمستخلف وجدلية العلاقة بين الغيب والحس التي من أجلها سخر الله للإنسان جميع قوى الطبيعة لخدمته وإعانته في خلافته مغيبة عن الفكر السلفي. بل إن ما رسخه هذا الفكر طوال مئات السنين عبر القراءات الروائية الموروثة -التي لا تمس قدسيتها- هو مفهوم البلاء والانتقام. ولم يقرأوا ذلك ضمن السنن الكونية الحاكمة للكون والمنظمة له، وفسروا آيات القرآن الحكيم على ضوء الروايات التوراتية ولم يستضيئوا بنوره الرحيم والودود و الغفور. فمن أجل هذا الانسان دحا الله هذا الكون وبسطه بكل أسباب الحياة والرزق والسعادة، إذ هو ظله في أرضه.

مع تحياتي،
أخوكم
رياض الشيخ باقر

الجمعة، 12 ديسمبر 2014

اليهود في جزيرة العرب

قرأت للتو بحثاً منشوراً عن يهود صحار شرق اليمن (التابع لمملكة بني كندة في العصور الغابرة ما قبل الاسلام) أثار عندي الرغبة في كتابة ما استخلصته و باختصار من  قراءات عدة فيما يخص اليهود والبلاد التي استوطنوها وعلاقتهم بأبناء عمومتهم العرب من ولد اسماعيل في البلاد العربية، وذلك من خلال مراجعة نصيّة لفهم لغز رحلة عبورهم مع نبي الله موسى عليه السلام.

كما أود أن أخص بذلك قراءة النصوص الدينية التي جاءت مسطرة لهذا الحدث فيما روته التوراة وسطرته آيات القرآن الحكيم، وبعض المراجع والبحوث المفيدة والمختصة في إعادة قراءة النص الديني و تفكيكه.

وتوضيحاً لقصد معنى تفكيك النص الديني، سأضرب مثلا بسيطا على ذلك توضيحا للقصد المبتغى. فقد قال الله جل وعلا مخاطبا مريم عليها السلام عندما جاءها المخاض في ولادتها للمسيح عليه السلام  "هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا". فبصريح الآية الكريمة إن الولادة  قد تمت في بلاد يكثر فيها زراعة النخيل وأن وقت الولادة هو فصل الصيف بعد أن أثمرت النخلة وتكوّن فيها الرطب وليس في فصل الشتاء ديسمبر (كانون الأول) كما هو يحتفل به الآن،  فما يرويه القرآن أصدق وأبلغ وهو الحجة وعليه المعتمد.

من هنا ننطلق في قراءة النص القرآني وتفكيكه بما يفيدنا في فهم مرحلة مصيرية وتكوينية لتاريخ اليهود عبر الغور في دلالة اللفظ القرآني زمانيا ومكانيا. كما أن من المفيد الإشارة هنا والإشادة بجهود المفكر الفرنسي بول ريكور (توفي عام ٢٠٠٦م) في إعادة قراءة النص الديني وأصول التأويل ومناهجه حيث قام بوضع بعض الأطر والأفكار فيما يتعلق بما هو تاريخي وما هو أسطوري وما هو خرافي والتمييز بينهم عبر تفكيك النص وإرجاعه إلى جذوره.

وعندما نتكلم عن التاريخ في النص الديني فإننا نخص النص القرآني كونه أكثر صدقا وحفظا من التوراة ولم تمسّه أيدي المحرفين والعابثين، وبالتالي نستطيع الحصول على حقائق تاريخية ليست أسطورية أو خرافية، كما يقول المؤرخ العظيم جواد علي في مفصله "تاريخ العرب قبل الاسلام"، حيث أن التوراة قد مستها أيادي التحريف وتلاعبت بها كيفما شاءت في قصص التراث الشعبي اليهودي "الأبوكرافية" التي أعيد فيها كتابة تراث اليهود بواسطة مروياتها مما هو خرافي وأسطوري شكّل تاريخ اليهود فيما بعد. و ذلك بما يتناسب مع مصالحهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية آنذاك. وقد تم ذلك في خلال المراحل التالي :
  1. كُتبت التوراة بعد رجوع اليهود من السبي البابلي بعد القرن الخامس قبل الميلاد.
  2. انتشار اليهود في بلاد العرب ( بلاد آل اسماعيل ) واستيطانهم فيها على يد حكام فارس "الأخمينيين".
  3. يوجد فارق كبير بين ما ترويه التوراة و ما يرويه القرآن وإن بدا في ظاهره واحدا.
  4. أكثر الأحداث التي ترويها التوراة، يعود تاريخها إلى ما بعد وفاة موسى وإلى ولادة المسيح عليهم السلام مما يؤكد عدم اطلاع موسى عليها فهي ليست الأصلية المنزلة عليه.
  5. لقد تم عبور نبي الله موسى عليه السلام بشعب اسرائيل من خلال  البحر وإن صدقنا ما جاءت به التوراة أن شعب إسرائيل استوطن شمال مصر (بلاد الدلتا)  وارتحل بشعب اسرائيل إلى البلاد المقدسة (فلسطين) أرض كنعان، فجغرافيا ذلك الزمان تكذبه حيث ان المسافة بين البلدين برية ولا يقطعها بحر، ولم تقطع بحريا الا بعد انشاء قناة السويس.
  6. مما لا شك فيه أن عبور بني إسرائيل تم بحريا (اضرب بعصاك البحر) وفي نقطة التقاء بحرين (حتى بلغ مجمع البحرين) وهذا ما نص عليه القرآن الكريم في عدة مواقع. وإن ادعاء البعض أن العبور تم في نقطة التقاء خليج العقبة وخليج السويس ما هو الا عجز و تجديف وتبرير لعدم معرفة الحقيقة. فكلا الخليجين جزء لا يتجزأ من بحر العرب (الاسم القديم والتاريخي للبحر الأحمر).
  7. إن الجذر اللغوي للغة العبرانية هو اللغة الآرامية ودخل عليها جذران آخران هما الجذر الحبشي والجذر الحميري فتشكلت اللغة العبرانية من ثلاث لغات، اللغة الآرامية (أصل اللغة العربية) واللغة الحبشية (القرن الأفريقي) و لغة الحميريين اليمنيين (العرب الجنوبيون).
  8. غضب بني اسرائيل على موسى عليه السلام عندما تزوج امرأة حبشية حيث استوطن بني اسرائيل القرن الأفريقي سنين التيه.
  9. إن هذا يفسر وجود قبائل الفلاشا اليهودية في كينيا، فهم بقايا المتخلفين من بني اسرائيل (أحفاد أحد الأسباط) عن رحلة العبور.
ونستخلص مما سبق أن موسى عليه السلام في رحلة خروجه من مصر ذهب ببني إسرائيل جنوباً إلى بلاد الحبشة وليس شرقاً. ثم عبروا شرقاً، وهذا تفسير كلمة مجمع البحرين من خلال عبورهم مضيق باب المندب نقطة التقاء البحرين، بحر العرب التاريخي (البحر الأحمر) وبحر السند (بحر العرب المعاصر والمحيط الهندي) ، كما يفسر الخليط اللغوي الذي تتكون منه اللغة العبرانية حيث تشبعت اللغة الآرامية (الجذر الأساس) ببعض الكلمات الحبشية ثم تشبعت ببعض الكلمات الحميرية وبالخصوص لهجة قبائل اللخميين (مثل بيت لخم) فتكون من هذا المجموع اللغة العبرانية الحالية، وهذا دليل قطعي آخر لا لبس فيه لمسار العبور لبني اسرائيل
وبالتالي تكون الممالك التي تعاقبت على بني اسرائيل منذ ترحالهم مع نبي الله موسى عليه السلام حوالي عام ١٥٠٠ قبل الميلاد إلى عام ٦٠٠ قبل الميلاد (تسعمائة سنة) كانت جميعها في جنوب غرب جزيرة العرب بما فيها مملكة نبي الله داوود وسليمان عليهما السلام.

و حيث أن السبي البابلي لليهود بعد إجلائهم من بقايا ممالكهم عقابا لهم لكثرة قتلهم أنبيائهم استمر قرابة المائة عام من بعد انهيار ممالك بني اسرائيل إلى وقت توافقت مصالح الامبراطورية الفارسية (الأخمينيين) التي احتلت الدولة البابلية آنذاك، تطلب نشر سبايا اليهود بعد عتقهم من السبي البابلي في أرض آل اسماعيل (مملكة النبط) التي امتدت من غرب الفرات إلى البحر الأبيض شرقا وإلى مكة جنوبا ، وقد تمركز قلة من اليهود في تلال فلسطين (يهودا والسامرة) وفي خيبر ويثرب (المدينة المنورة) بالإضافة إلى ما تبقى منهم في اليمن وبالخصوص في صنعاء. وقد اشتبه المؤرخون عندما ظنوا أن أماكان رجوع اليهود واستيطانهم فيها بعد السبي هي موطنهم الأصلي قبله. ومن هنا وقع الالتباس في تحديد زمن استيطانهم أراضي اهل كنعان (فلسطين) التي استوطنها قلة من اليهود في أطراف براريها بعد السبي، ولم تطأها أقدامهم قبله.

و يأتي هذا الاشتباه من الخلط بين رحلة موسى عليه السلام إلى أرض مدين ومروره بأرض سيناء قبل البعثة وخلال تلقيه الوحي في "الوادي المقدس طوى" التي سبقت العبور زمانا. فتم الخلط بين الأمكنة والأزمنة، وساعد في ذلك أساطير التوراة ومزاعم اليهود في أرض فلسطين.

لذلك فإن ادعاء بني إسرائيل في فلسطين كأرض مقدسة وعدهم الله بها هو محض افتراء وكذبة كبرى. لذلك لم يجدوا هيكل سليمان المزعوم و لن يجدوه تحت قبة الصخرة.

مع تحياتي
رياض الشيخ باقر
١٢/١٢/٢٠١٤