الأربعاء، 25 يونيو 2014

من أسرار الفاتحة

لماذا لا تصح صلاتك بدون قراءة سورة الفاتحة:

- إن قولك بسم الله الرحمن الرحيم يفتح لك باب الذكر
- قولك الحمدلله رب العالمين ، يفتح باب الشكر
- قولك الرحمن الرحيم ، يفتح لك باب الرجاء
- قولك مالك يوم الدين ، يفتح باب الخوف
- قولك إياك نعبد وإياك نستعين ، يفتح باب الإخلاص المتولد من معرفة العبودية
- قولك اهدنا الصراط المستقيم ، يفتح باب الدعاء و التضرغ ، ادعوني استجب لكم
- قولك صراط الذين أنعمت عليهم الى اخر الآية ، يفتح باب الاقتداء بالأرواح الطيبة و الاهتداء بانوارهم

فجنات المعارف الربانية بأبوابها الثمانية انفتحت للمصلي بهذه المقاليد الروحانية وهو بيان المعراج الروحي في الصلاة
( المصدر : تفسير القرآن لصدر المتألهين الشيرازي )


إن آيات الفاتحة سبع و الاعمال المحسوسة ( الحركات ) في الصلاة غير القراءة و الأذكار سبعة هي:
١-القيام ( الوقوف )

وقول الحمد لله رب العالمين بإزاء الركوع هو ثناء على الله بسبب الإنعام الصادر منه للعبد
فهذه الاعمال تمثل شخص الجسد و الفاتحة هي روحه و بهذا يحصل الكمال و الحياة عند اتصال الروح بالجسد ، و البدء بالتسمية ، فكل امر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو ابتر فإذا قال " الحمدلله " فقد شكر الله و اكتفى بالحاصل فزالت شهوته ومن عرف انه " رب العالمين " زال حرصه فيما لم يجد و بخله فيما وجد ، ومن عرف انه " مالك يوم الدين " بعد ان عرف انه " الرحمن الرحيم " زال غضبه ، ومن عبد من استعان به " إياك نعبد وإياك نستعين " زال كبره ممن عبد و ازداد عجبه بمن استعان ، و اندفع عنه شيطان الهوى " اهدنا الصراط المستقيم " و زال عنه كفره " صراط الذين أنعمت عليهم " و زالت عنه بدعته " غير المغضوب عليهم ولا الضالين "فإذا زالت عنه هذه الكدور ( السيئات ) الستة التي هي منشأ و مجمع الشرور كلها فقد زالت عنه الحجب التي تبعده عن جناب القدس

٢-الركوع
حالة متوسطة بين القيام و السجود و ذكر النعمة الكثيرة مما يثقل الظهر فينحني.

٣-الانتصاب من الركوع
في قوله الرحمن الرحيم مناسب للانتصاب لأن العبد لما تضرع إلى الله بالركوع فاللائق برحمته أن يرده الى الانتصاب.

٤-السجود الاول
قوله مالك يوم الدين مناسب للسجدة الاولى للدلالة على كمال القهر و الجلال و الكبرياء.

٥-الانتصاب من السجود

٦-السجود الثاني
و اهدنا الصراط المستقيم طلب لأهم الأشياء فألقي به السجدة الثانية لتدل على نهاية الخضوع .

٧-الجلسة  ( القعود )
إياك نعبد و إياك نستعين مناسب للقعدة بين السجدتين.

( ملخص قراءة في فكر صدر المتألهين الشيرازي )

مع التمنيات للجميع بالقبول

اخوكم
رياض الشيخ باقر
25/06/2014

الثلاثاء، 24 يونيو 2014

الاستعاذة في الدعاء

اختص الانسان من دون سائر الموجودات بخاصية تطوره و تبدله من حال إلى حال لأن مراتب الكمال لا متناهية، وحيث أنه في عالم الإمكان ( عالم الموجودات ) فهو لا يخلو من نقص و قصور و آفة و مرض و سقم ولا يتحقق له الكمال الأعظم إلا في الحضرة الإلهية. وقد علم الانسان بنفسه أنه عاجز عن دفع الضرر بالمطلق و جلب المنفعة بالمطلق. ولا يقدر على المطلق إلا الله الذي خلقه  لذا استعاذ به. والقصد القرآني بالاستعاذة هو الالتصاق والقرب و اللجوء إلى الله وإلى رحمته، أما الشيطان المستعاذ منه فهو عكس ذلك كله فهو من شاط، أي بعد، وذلك لبعده عن الرشاد والسداد. وقد عبر القران الحكيم في مواقع كثيرة عندما يقوم الانسان بطلب الاستعاذة بالله لإحساسه بعجزه، فتتولد عنده حالة الانكسار القلبي فيعبّر عنها بالتضرع والخضوع لله. وإذا حصل ذلك حصلت صفة أخرى في اللسان من حيث هو ترجمان القلب فيصير طالباً لما يجول في قلبه بلسانه.

والعمدة في الاستعاذة بالله هو علم العبد بنفسه وبربه. فمن ذل العبودية يهرب إلى عز الربوبية يلتجئ، فروحه حبيسة الجسد المادي الذي تحكمه حواسه وقواه الطبيعية التي تتحكم في شهوته وغضبه مما يجر روحه إلى حضيض عالم الجسمانيات المادية ، فكيف له أن يخلّص روحه من ذلك كله فهو كسائر الموجودات من حيث أن كماله مفتقر إلى جهات عدة وهو يطمح أن يسكن من الاضطرابات التي تصيبه بسبب جسده و نوازع نفسه و شهواتها فيتخلص من ألم المادة التي انغمست روحه فيها فيلوذ إلى بارئه فيقول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لأن الشيطان كما قلنا مبدأ كل بعد ونقصان ومنشأ كل شرّ وحرمان وخسران، فالاستعاذة هي من الشرور العارضة للنفس في هذا العالم المادي من جهة اقترانها بجسده، أما عالم القضاء الإلهي وعالم الأمر الرباني فهي بريئة من كل الوجوه عن الشرور و الآفات.

فالمستعاذ منه هو من الأمور القدرية الواقعة تحت القضاء في عالم الخلق و التقدير من ذوات الشرور اللازمة أو العارضة.

قال تعالى في محكم كتابه الكريم:
" قل أعوذ برب الفلق"

أي فالق ظلمة العدم بنور الوجود هو الله فاستعذ به (التصق به) فليس به شر أصلا، أما الشرور الحاصلة هي من الكدورات الناشئة من قصور هوية الموجودات لذلك قال "من شر ما خلق" فالشر من ناحية الجسد المخلوق، ثم عمد إلى ما هو أخص من ذلك فقال"ومن شر غاسق اذا وقب" أي من الشرور الداخلة في بدن الانسان من الغواسق الجسمانية و القوى الظلمآنية لأن النفس الإنسانية الناطقة خلقت في جوهرها نقية صافية قابلة للأنوار الإلهية فجاءت عتمة الجسد و غطتها بالغواسق المظلمة، وذهب إلى ما هو أخص مما سبق ذكره وجاء على ذكر خاصة النمو فقال "ومن شر النفاثات في العقد" إشارة إلى قوة نشوء الجسد و نموه و تغذيته فالجسد نشأ من عقدة حصلت من انعقاد عناصر مختلفة متداعية إلى الانفكاك و النفثات فيها الموجبة لازدياد مقدارها أو نقصها، ثم أشار إلى القوى الحيوانية (الشهوة بقوله " ومن شر حاسد اذا حسد" فان اصل الحسد انما ينبعث من النزاع الحاصل بين القوى الحيوانية (الشهوة) و بين النفس الناطقة (العقل) المدركة لعواقب الأمور وهو النزاع المشار إليه بين آدم وإبليس في بداية الخليقة البشرية، ثم تطرق إلى شيء لا يمكن حسه و لمسه ألا وهو الوسواس فقال "من شر الوسواس الخناس" وهي القوة المتخيلة في الداخل والشخص الموسوس في الخارج فهما المحركان للقوة الشهوانية على خلاف ما يقوله العقل المدرك المتوجه إلى معالي الأخلاق، وقال "الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس" فالصدر إشارة الى الشهوة ولم يقل القلب حيث انه من مراتب العقل.

لذا لا ملجئ من الله الا اليه
فاستعذ به منه

رياض الشيخ باقر
الحمدلله الذي عرفنا نفسه و جعلها ملجأ من لا ملجأ له.

24/06/2014

السبت، 21 يونيو 2014

أين هي النشأة الأخرى؟

القرآن الكريم جاء بمفاهيم و معاني ملكوتية هي أبعد ما تكون عن التجسد المادي فهو عالم الوجود الذي يوصف بعالم العقول تارة و بعالم الخيال تارة أخرى وما عداه هو عالم الموجود أي العالم الذي انبعث أو فاض به أو تجلى عنه (بغض النظر عن المصطلح الفلسفي) عالم الوجود فظهر وبان به.

وقد شبه بعض الفلاسفة الحالة بالمرآة التي تعكس أصل الصورة أو الفلم النقتف الذي يحمض فتظهر الصورة، إنما صورة من هي التي تنعكس على المرآة و صورة من هي المطبوعة على الورق.

إنها صورتنا التي أحب الله أن تكون، وكما شاء كان، خلقنا وصورنا على شاكلة ما أحب لنا: "و خلقنا الانسان في احسن تقويم".

وحيث أن عقولنا مدركة وتواقة لما هو حسي فما تدركه العين أسرع للفهم ثم ما يدركه السمع واللمس والشم. أما هذا الأثير الموجي الذي خلق ثورة في الاتصالات فقد أخذ وقتا طويلا من البشرية كي تدركه و تستفيد منه.

لذا علينا أن نفهم مدى رأفة الله بنا حين وصف نفسه ووصف عالم الملكوت في قرآنه الكريم بوصف حسي ناسوتي كي يقرّب المعنى للقاصي والداني، ومن ثم يدركها العقل فيتدبر فيها و يترقى في معانيها الملكوتية كي ينسلخ عقله وروحه عن الجسد المادي الذي تقمصته روحه فيعيش عالم المعرفة والرحمة فتكون له جنة في دنياه.

كل ذلك يؤدي إلى أن لا ننقل ما شهدناه وعقلناه بحسنا المادي في الدنيا على عالم غيبي هو خارج عوامل المادة فلا المكان ولا الزمان ينطبقان عليه لأن كليهما من المخلوقات المحدثة التي أحدثها الله عندما تجلى العلي القدير فأحب ان يعرف بخلقه.

وما يصر عليه البعض بأن الكلمات التي تصف نعيم الجنة من سرر و كراسي و فواكهه و عنب ولحم طير و حور عين و نكاح جماعي للحور إنما هي حسية و مادية مصوراً الجنة أنها قصر من قصور هارون الرشيد بكل ما احتواه من مجون وشذوذ جنسي حتى مع الولدان المخلدون والعياذ بالله.

وزعمهم هذا يتطلب شمساً و قمراً و أرضا أو قل انتقال عالم الناسوت (الدنيا) إلى عالم الملكوت (الآخرة) واحتلالها و استبدالها فكأنما نحن في نشأتنا الدنيا لم نتحرك ولم ننتقل، وهذا والله لهو الباطل الأكبر فزعمهم هذا جعل منهم يجسمون الله و يحدونه فأخذوا يفسرون الرجوع إليه والفناء فيه بتفاسير باطلة قاصرة كقصور عقولهم التي سيطرت عليها المادة و محسوساتها، بل هي نشأة أخرى أي مغايرة لنشأة الدنيا.

إنها نشأة اخرى لذلك وصفها المولى عز و جل "انها لا عين رأت ولا إذن سمعت" اي أنها خارج المحسوسات المادية الدنيوية التي ألفها عقلنا.

ويحتج الفلاسفة على اصحاب الرأي المادي المحسوس للآخرة بقولهم، هل يعجز الله أن يجعل الآخرة نشأة أخرى غير نشأتنا هذه، وهل كل ما لا ندركه أو لا نعلمه من علم الله و قدرته غير ممكن وغير موجود بل هو من المستحيلات، و بذلك نقول أن لا محيط لعلم الله و قدرته ويجب أن تتوسع مداركنا العقلية لتواكب ما جاء في القران الحكيم. هذا الكنز المعرفي العظيم الذي لم يغادر كبيرة ولا صغيرة الا أحصاها.

رياض الشيخ باقر

الجمعة، 20 يونيو 2014

رحلة الخلود

الموت هو انسلاخ الروح من الجسد المادي، ويعبر البعض عنه بخلع الروح قميصها الدنيوي وهو رجوع الروح الى بارئها. ففي رحلة البداية قامت الروح برحلتها الأولى لطلب الخلود المتمثل في العبور البرزخي من عالم الملكوت الى علم الناسوت. و الموت ما هو إلا العبور الثاني للروح عبر البرزخ بين العالمين، هذا العبور الذي يخلدها.
فالروح جاءت من عالم الغيب و رجعت إلى عالم الغيب و الشهادة ، فالشهود هو للروح في رجعتها الأبدية و شهودها هو شهود روحي وليس مادي هي مطلعة على ما يجري في عالم الناسوت العالم الحسي المادي الذي غادرته، وذلك بقدر ما يسمح لها الله الباري للاطلاع على ما يجري في عالم الناسوت وذلك بقدر أعمالها الصالحة، وهو ليس شهودا حسياً. كما أن عالم البرزخ هو من عوالم الملكوت غير الحسية، سواء في البرزخ الأول في رحلة هبوط الروح إلى عالم الظلمة أو في البرزخ الثاني في عروج الروح من عالم الظلمة إلى عالم النور.

لذا فالحذر واجب من تلك الأحاديث التي تجسم و تجسد عوالم الملكوت بما فيها عالم البرزخ.


يقول الباري عز و جل في محكم كتابه الكريم:
" كنتم أمواتا فاحييناكم ثم نميتكم ثم نحييكم ثم إلينا ترجعون"

أمواتا: في عالم الغيب
أو ما يعبر البعض عنه بعالم الكنز ، حيث نحن كنز الله الثمين و الغالي.

فأحييناكم: عندما استجاب الشيء إلى قول الله في عالم الامر و انتقل بطوعه و اختياره من عالم الامر الى عالم كن  فيكون وهو عالم التكوين.

ما بين "احييناكم" إلى "ثم نميتكم": هي رحلة الإنسان، أو قل هي رحلة الروح في الدنيا عالم الحس و الشهادة.

ثم نحييكم: هو موت ناسوتي وإحياء ملكوتي في عبور عالم البرزخ.

ثم إلينا ترجعون: هو الغاية و الهدف المأمول و المتمثل بقوله انا لله وانا اليه راجعون.

وفي قوله تعالى "إذا نفخت فيه من روحي" إشارة إلى أن الروح هي روح من بارئها رجعت إلى بارئها في رحلة دخلت فيها الروح عالم الظلمة و خرجت منه إلى عالم النور فهي سعيدة ان رأت هذا النور وهي خائبة إن بقيت في عالم الظلمة.

ومعظم الفلاسفة و العرفانيون سواء المسلمون أو غيرهم ممن يؤمن ان الخلود هو في عالم الملكوت ( بغض النظر عن المسميات ) يرى أنه خلود للروح وأن الروح في عالم الناسوت حبيسة الجسد الملوث لها من حيث أنه من حمأ مسنون، وأن (الماء) الروح عجنت به كي تؤدي دور الخلافة على الارض الذي هو المقام الأعلى للإنسان الذي من أجله سخر الله له ملائكته، فالبتالي هذا القميص ما هو إلا خرقة سوف تهتري و ينتهي الغرض منه وتبقى الروح خالدة.

وقد ذهب بعض علماء المسلمون و بالاخص علماء أهل السنة و بعض علماء الشيعة ممن لا يؤمن بالفلسفة أو بعلم التأويل والبطون التي احتوتها الآيات القرانية الكريمة إلى أن الجسد سوف يُبعث مع الروح بل زادوا على ذلك بأن أعطوا عالم البرزخ الملكوتي درجة حسية ناسوتية بان أجروا عليه عاملي الزمان و المكان وهذا خطأ فادح وقع فيه المجسمة ووقعوا في المحضور بأن قالوا أن معنى "وجوه يومئذ إلى ربها ناظرة" تراه رؤية العين الحسية و العياذ بالله.

يقول الله البارئ عز وجل في الحديث القدسي
"كنت كنزا مخفيا فأحببت أن اعرف"

هو الحب والعشق، أخي القارئ، الذي غاب عن أدبياتنا ومنهجنا الديني، فلولا حب الله لنا لما خلقنا. هو جل وعلا كان كنزا مخفيا فظهر بآياته من أفلاك ومن شموس و جمال للطبيعة وأعظم آية من تلك الآيات التي ظهر بها هو خليفته الإنسان. نعم، نحن أجل ّوأعظم وأجمل آية من آياته فنحن كنزه وعلمه و خلافاؤه  في هذه الأرض.

بنا عبد، و بنا عرف و بنا أله، لذا نحن نفخه، ونحن خليفته، ونحن مشيئته، والمقام الأسمى للإنسان هو أن فيه استودعت روح الله، والمقام الأسمى أنه خليفته، والمقام الأسمى أن المشيئة والإرادة أمانة في عنقه.

أما ما هب و دب من الروايات فيجب أن تعرض على كتاب الله الكريم ولن يتسنى لنا ذلك إلا أن نفهم القرآن وفهم بطونه وفهم معانية المتماشية مع مقاصده وأجل هذه المقاصد هي خلافة الإنسان لله، لتحقيق رضا الله عبر سلكهم الصراط المستقيم ونجاحهم في تجاوز الابتلائات.

إن معرفة المنظومة الفكرية و العقائدية التي جاء بها القرآن العزيز كونه ذلك الكتاب ( اللوح المحفوظ ) هو الدليل على ما صح من تلك الروايات التي اندس الكثير من الإسرائيليات.

لقد جاءت الروايات التي تعالج أمور الموت والميت والجسد المسجى، حاملة العبرة و الأخلاق الفاضلة بين طياتها فغلب عليها طابع العبرة والموعظة التي ترجو أن تنشر العظة من هذا الموت و ما تعنيه الرحلة القصيرة لهذا الجسد الذي يبدأ بالأذان في الأذن اليمنى و ينتهي بالإقامة في الأذن اليسرى.

وتبقى العظة لمن خلف هذا الجسد الميت في أوج صورها من تسجية و غسل و خرقة كفن و هرولة به من قبل أعز الناس إليه (المتلقين للعبرة) بأن ينزلوه إلى حفرة لو سكنها وهو حي لنازعته روحه و خرجت قبل أوانها. نعم الروح قد تعلم بكل ما يجري على القميص الذي تركته، لكنها تركته في عالم وهي ارتحلت إلى عالم آخر، عالم النشأة الاخرى.

هي جاءت من عالم الغيب، لكنها رجعت إلى عالم الغيب و الشهادة، لذا قلت إنها شاهدة، ولكن الفرق كبير بين شهودها الحسي في عالم الدنيا وبين شهودها في عالم الملكوت، وهو كالفرق بين العالمين.

نعم، الله جلت قدرته، قادر على أن يسوي نفس البنان ويجمع العظام ، وهذه قدرة بسيطة من القدرة العظيمة التي توازي عظمته فأمره بين الكاف و النون في "كن"، ولا بين الكاف والنون بين.

ولكن هل عالم الملكوت عالم حسي و جسماني؟

وهل رجوعنا إليه جسماني والعياذ بالله؟ فإذا قلنا هو كذلك، فقد جسمنا الله وجعلنا له كيفاً وحداً، وحددناه و صورناه، وهو الذي لا تبلغ العقول كنهه، وقد قلت سابقا أنه أمر تحيرت فيه العقول. أمر مهم يجب ان لا ننساه في تأملنا لهذا القرآن العظيم الجليل القدر، هو أنه كلام ملكوتي بصيغ حسية فهو نقل لنا المعاني والمراتب الملكوتية بأسلوب حسي يتماشى مع فكرنا و عقلنا و رؤيتنا الإدراكية الحسية كي نعقلها فنتدبر فيها ونعيش مراتب الرقي في فهمها كي يتسنى لنا أن نعيش ونتذوق عالم الملكوت حينما ننعتق من فكرنا الحسي كي تعرج روحنا وهي في ناسوتها إلى الملكوت فتكون لنا جنتنا التي سوف ننالها في عروجنا إلى الملكوت.

من اين؟
في اين؟
الى اين؟

ثلاثة أسئلة جوهرية كونية تحوم حولها كل البشرية ويحير فيها كبار العلماء، حتى أصبحت الشغل الشاغل للمفكرين والفلاسفة. فكتبت تنظيرات وحوارات منذ أن وعى الانسان وجوده على هذا الكوكب. ومن خلال الإجابة على السؤال الأول يمكن الإجابة على السؤال الثاني و الثالث.

وقد نحى المفكرون و الفلاسفة إلى منحيين أحدهما مادي و الاخر روحي. فالماديون هم المؤمنون بوجود هذا الكون صدفة أي في وقت اللا وقت وفي مكان اللا مكان وبأن المادة هي من خلقت الكون و تكون منها حيث تصوروا وجودها في اللا زمان واللا مكان (لا اعلم كيف) وحدث انفجار عظيم كان شرارة التكوين.

وقد قاد هذا الطرح المادي الذي يستبعد وجود قدرة حكيمة قادرة و رحيمة هي الخالقة لهذا الكون إلى حيرة أكبر وأشمل عندما نظروا إلى عظمة هذا الكون ودقة صنعه ، حيث يخلو هذا الطرح من إجابات على أسئلة مهمة مثل:
من أوجد هذه المواد؟
كيف اتحدت و عملت الانفجار؟
ألا يتطلب ذلك وقتا محددا؟
ألا يتطلب ذلك مكان محددا؟
أم أن الصدفة هي حاكمة لكل هذه الأسئلة ؟

وهل هي صدفة حكيمة قادرة ومنظمة أم هي صدفة عشوائية؟ وإن كانت صدفة عشوائية فهل العشوائية تخلق هذا الكون المنظم الدقيق و المتناهي في الدقة و الإبداع؟ وفي كل ما يمس الكون من حاجة لتنظيم وجوده بل ووجود كل من فيه و يعيش عليه،
هي أسئلة قادت كثير من المنظرين لهذا الطرح المادي، أن يتخلوا عنه مثل كانط و نيتشه و القائمة تطول.


أطلق القرآن الحكيم مصطلحان هما الروح و النفس على أمر واحد، فما الفرق؟

كثيرا ما استخدم القرآن العزيز كلمة الروح في كلامه عن عالم الملكوت و عوالمه مثل عالم الغيب و عالم التكوين وهذه إشارة إلى مكانة الروح وعلو شأنها كونها نفخ من روح الله. أما كلمة نفس فهي الروح في تلبسها عالم الحس و الشهادة، وهو مسير الروح في رحلتها الدنيوية فالنفس إشارة الى النوازع و الغرائز البشرية المتحكمة من قبل حاجات البدن للنمو و البقاء وحفظه من العوامل التي تهدده، وهي نوازع و غرائز هي تاركته حال خروج الروح من الجسد الذي تلبسته لتعود الروح، إما ملوثة بما أساءت أو جميلة بما احسنت.

أما اصحاب الاتجاه الثاني وأعني به المؤمنون بوجود قدرة حكيمة، عزيزة، منظمة، مقتدرة، رحيمة، خالقة لهذا الكون ومسببة له، فهم يوزعون لهذه القدرة خلق هذا الكون بكل ما فيه من مجرات. وقد اختلف هؤلاء في تسميتها ووصفها كما اختلفوا في الوسيلة المسببة لهذا الخلق هل هو فيض أم علة و معلول أم تجلي. ومهما اختلفت التسميات أو الوسائل الشارحة، فإنها تشير إلى أصل واحد وإلى مسبب واحد.

فأصحاب نظرية الفيض اتكلوا على نظرية الصدور من الواحد الذي لا يصدر منه الا واحد. وأصحاب نظرية العلة و المعلول قاموا بقياسها على ما يحدث في عالم التكوين من ارتباط العناصر و الأشياء بعضها ببعض كعلة الشمس بنمو النبات وعلة القمر بالمد و الجزر. أما اصحاب نظرية التجلي فقد اعتمدوا على نظرية الواحد والكثرة التي تتجلى بها هذه القدرة وهذه العظمة.

وقد انطلق كلا الفريقان في تعريف عالم الموجودات الكائنة حسب رؤيته الاولى. فأصحاب نظرية الصدفة جعلوا من الانسان إله هذا الكون وانطلق الماديون في تفسير اختلاف ألوان البشر زاعمين تطوره البيولوجي من عفن ثم إلى دودة ثم إلى حيوان بهيمي يدب على الارض ثم إلى قرد ثم إلى إنسان مصنفين البشر على حسب تفتح لون بشرته و مقياس فكه و جمجمته حتى أصبح الرجل الأبيض يتغنى بعرقه الراقي و سيادته على الأجناس البشرية الأخرى فأجاز لنفسه قتل الشعوب و استبعادها و نهب ثرواتها.

أما المؤمنون بالخالق المدبر لهذا الكون فوقعوا بخطيئة كبرى حيث جعلوا من الانسان مخلوقا كسائر المخلوقات الأخرى ولم يعطوه المكانة التي أعطاها أياه خالقة الا وهي مكانة الخلافة التي يدور محور القران العزيز عليها.

إن ٍخلافة الإنسان لله على هذه الارض هي خلافة تكوينية بموجب صريح القرآن "إني جاعل في الارض خليفة" ولا يقصد بالخلافة هو الإمامة، فالامامة هي الريادة والقيادة والأسوة والقدوة وهي محصورة بموجب الإخلاص و الاستخلاص، أما الخلافة فهي خلافة الكل (الأدنى) للواحد (الأعلى) كي تعمر الارض و تكتشف أسرار الله المستودعة في هذا الكون فيعرف بها الله فيعبد حق عبادته.

لقد جاءت الثورة العلمية بعد اكتشاف الذرة تؤكد ما جاء به القرآن بأن هذه الكائنات الجامدة هي حية ومتحركة في ذاتها. فالذرة المكونة للجزيء فيها قطب بروتون ويدور  حوله إلكترون وهذه النواة في صغرها المتناهي شبيهة بالكون الهائل، ومن هنا تم التعرف على سر خواص المواد الكامنة فيها منذ خلقها، كون هذه الجمادات التي نراها ساكنة رؤية العين المجردة تتحرك وتجري أو ما أطلق عليه القرآن أنها كائنات مسبحة ولها روح ولكن لا نعرف ذلك بالعين المجردة.

لقد بنى الفكر الغربي نظرياته في الخلق والخلافة على أساس عرقي مغلفة باسم العلم و البحث العلمي ملغياً وجود قدرة خالقة و مدبرة لهذا الكون كي يصبح عرقه و جنسه الآري هو أرقى الأجناس و برر أعماله لعدم وجود إله لهذا الكون فقد نصب الرجل الأبيض نفسه إلهً لهذا الكون. من هنا نفهم ترديد مصطلح "الذات المتعالية"، هل هي ذات خاصة بالقدرة الخالقة لهذا الكون أم هي خاصة بأنقى عروق البشر (البيض) الذي خطف هذا المسمى عندما تحكمت أساطيله الحربية بمقدرات الشعوب وساعده في ذلك مفكروه الذين أنشده الكثير من مثقفينا بنظرياتهم العنصرية التي بررت للعسكريين إقامة المذابح في الشعوب الأخرى واستعبادها واستعمارها ونهب ثرواتها.

إن الإيمان بالمعاد من ضروريات الدين بل هو فطري فمنذ أن استجابت الروح لقول الباري في عالم الأمر وأصبحت في عالم التكون (كن فيكون) فهي راجعة الى الله لا محالة. لأن الدنيا دار مستودع للروح وليست دار مستقر لها، والله يتوفى الأنفس حين موتها
كما أن الله يصف الآخرة بأنها نشأة أخرى، بمعنى أنها مخالفة ومغايرة لنشأة الدنيا، و الإنسان قد صنع جسده من أديم الأرض التي تحكمها سنن و عوامل الطبيعة المادية البحتة، و انبعاث الروح بهذا الجسد المطبوع على طبيعة المادة يلزم أن يتجسد عالم الغيب والشهادة لأن الجسد يلزمه مكان وزمان ونمو وتغير في طبيعته وعوامل بقائه. وهذا يستتبع، بالضرورة أن يكون لله حد.

كما أن القرآن يؤكد على مبدأ الرجوع إلى الله والفناء فيه (الفناء غير الهلاك) "كل من عليها فان" بمعنى الذوبان في ذات الله من حيث أننا في الأصل نفخ من روحه. والقول بـ"إنا لله وإنا إليه راجعون" يؤكد أصالة هذا المعنى من حيث كون الرجوع فناء في الله كرجوع النفخ لمصدره. والقرآن العزيز في مجمله ملكوتي المعنى، ناسوتي الخطاب، والأمثلة على ذلك كثير كقوله "يوم يأتي ربك ..." و قوله "يد الله فوق أيديهم" وقوله بالسمع والبصر ونسبة النفس إلى الله.
والاختلاف في كون المعاد روحاني أم جسماني كالاختلاف في معراجه صلى الله عليه واله و سلم هل عرج إلى السماء بروحه أم بجسده ، والذين احتجوا بالعروج الروحي هو استحالة حد الله عز وجل عما يقولون علواً كبيراً

أخوكم
رياض الشيخ باقر
20/06/2014

الثلاثاء، 3 يونيو 2014

لن تسبى زينب مرّة أخرى، ولن يرمى الرضيع ولن يقتل الأكبر

بعض الكتاب ممن ملك قدرة تزيين الباطل أو ممن يطبّع المحال بدل أن يبقيه في نطاق الفرض، يحاول تشبيه الضحية بالجاني فلا الحسين هو يزيد ولن يكون يزيد بسمو الحسين. إن هي إلا أوصاف يطلقها البعض لتزوير التاريخ و مجريات الأحداث

أوصاف أبعد ماتكون عن التشييع، والمسمى دون الوصف يفقد المسمى معناه وأصله.

ما أحب الشيعة الإمام علي وولده إلا لسمو خلقهم فتطبعوا على أخلاق من أحبوا واقتدوا بهم والتاريخ والواقع الحالي يشهد لهم. ولا ضير من أضغاث أحلام و تمنيات من هنا أو هناك ممن أقلامهم تزين الباطل وتمجد الطغاة، والعراق ليس بحاجة لمن وضع كرامته تحت الصهاينة ونسي عظمة النيل والأهرامات أو الحفاة العراة من بدو الأعراب الذين امتلئت جيوبهم بالبترودولار في غفلة من الزمن.

هي سنة الحياة و دورتها وكان يوماً من أيام الله أن خرجت الرايات من الشرق من أحفاد سلمان وبالأمس القريب نفض بردى ما تلعق به من أوساخ العثمانية الجديدة واليوم تنبعث دماء الحسين التي سفكت على أرض كربلاء حية فقد احتفظت بها مياه الفرات طرية منعشة لمن استنشق كرامتها من أبناء العراق الغيارى. وكما لم تسبى زينب مرّة أخرى فلن يقتل الرضيع ولن يقتل علي الأكبر مرّة اخرى.

رياض الشيخ باقر