الثلاثاء، 24 يونيو 2014

الاستعاذة في الدعاء

اختص الانسان من دون سائر الموجودات بخاصية تطوره و تبدله من حال إلى حال لأن مراتب الكمال لا متناهية، وحيث أنه في عالم الإمكان ( عالم الموجودات ) فهو لا يخلو من نقص و قصور و آفة و مرض و سقم ولا يتحقق له الكمال الأعظم إلا في الحضرة الإلهية. وقد علم الانسان بنفسه أنه عاجز عن دفع الضرر بالمطلق و جلب المنفعة بالمطلق. ولا يقدر على المطلق إلا الله الذي خلقه  لذا استعاذ به. والقصد القرآني بالاستعاذة هو الالتصاق والقرب و اللجوء إلى الله وإلى رحمته، أما الشيطان المستعاذ منه فهو عكس ذلك كله فهو من شاط، أي بعد، وذلك لبعده عن الرشاد والسداد. وقد عبر القران الحكيم في مواقع كثيرة عندما يقوم الانسان بطلب الاستعاذة بالله لإحساسه بعجزه، فتتولد عنده حالة الانكسار القلبي فيعبّر عنها بالتضرع والخضوع لله. وإذا حصل ذلك حصلت صفة أخرى في اللسان من حيث هو ترجمان القلب فيصير طالباً لما يجول في قلبه بلسانه.

والعمدة في الاستعاذة بالله هو علم العبد بنفسه وبربه. فمن ذل العبودية يهرب إلى عز الربوبية يلتجئ، فروحه حبيسة الجسد المادي الذي تحكمه حواسه وقواه الطبيعية التي تتحكم في شهوته وغضبه مما يجر روحه إلى حضيض عالم الجسمانيات المادية ، فكيف له أن يخلّص روحه من ذلك كله فهو كسائر الموجودات من حيث أن كماله مفتقر إلى جهات عدة وهو يطمح أن يسكن من الاضطرابات التي تصيبه بسبب جسده و نوازع نفسه و شهواتها فيتخلص من ألم المادة التي انغمست روحه فيها فيلوذ إلى بارئه فيقول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لأن الشيطان كما قلنا مبدأ كل بعد ونقصان ومنشأ كل شرّ وحرمان وخسران، فالاستعاذة هي من الشرور العارضة للنفس في هذا العالم المادي من جهة اقترانها بجسده، أما عالم القضاء الإلهي وعالم الأمر الرباني فهي بريئة من كل الوجوه عن الشرور و الآفات.

فالمستعاذ منه هو من الأمور القدرية الواقعة تحت القضاء في عالم الخلق و التقدير من ذوات الشرور اللازمة أو العارضة.

قال تعالى في محكم كتابه الكريم:
" قل أعوذ برب الفلق"

أي فالق ظلمة العدم بنور الوجود هو الله فاستعذ به (التصق به) فليس به شر أصلا، أما الشرور الحاصلة هي من الكدورات الناشئة من قصور هوية الموجودات لذلك قال "من شر ما خلق" فالشر من ناحية الجسد المخلوق، ثم عمد إلى ما هو أخص من ذلك فقال"ومن شر غاسق اذا وقب" أي من الشرور الداخلة في بدن الانسان من الغواسق الجسمانية و القوى الظلمآنية لأن النفس الإنسانية الناطقة خلقت في جوهرها نقية صافية قابلة للأنوار الإلهية فجاءت عتمة الجسد و غطتها بالغواسق المظلمة، وذهب إلى ما هو أخص مما سبق ذكره وجاء على ذكر خاصة النمو فقال "ومن شر النفاثات في العقد" إشارة إلى قوة نشوء الجسد و نموه و تغذيته فالجسد نشأ من عقدة حصلت من انعقاد عناصر مختلفة متداعية إلى الانفكاك و النفثات فيها الموجبة لازدياد مقدارها أو نقصها، ثم أشار إلى القوى الحيوانية (الشهوة بقوله " ومن شر حاسد اذا حسد" فان اصل الحسد انما ينبعث من النزاع الحاصل بين القوى الحيوانية (الشهوة) و بين النفس الناطقة (العقل) المدركة لعواقب الأمور وهو النزاع المشار إليه بين آدم وإبليس في بداية الخليقة البشرية، ثم تطرق إلى شيء لا يمكن حسه و لمسه ألا وهو الوسواس فقال "من شر الوسواس الخناس" وهي القوة المتخيلة في الداخل والشخص الموسوس في الخارج فهما المحركان للقوة الشهوانية على خلاف ما يقوله العقل المدرك المتوجه إلى معالي الأخلاق، وقال "الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس" فالصدر إشارة الى الشهوة ولم يقل القلب حيث انه من مراتب العقل.

لذا لا ملجئ من الله الا اليه
فاستعذ به منه

رياض الشيخ باقر
الحمدلله الذي عرفنا نفسه و جعلها ملجأ من لا ملجأ له.

24/06/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق