الاثنين، 27 أبريل 2015

قواعد العشق الأربعون: الحلقة الثامنة عشرة

مدينة قونية ١٢٤٤ م


غمر ابن الرومي شعوراً أنه وشمس التبريزي الوحيدين الباقيين على وجه الأرض التي انبسطت لهما الأطوار السبعة التي على طلاب الحقيقة أن يسلكوها، أو سمّها المقامات السبعة كي تبلغ روح الطالب مقام الوحدانية وهي:
١- الطور الأول: النفس الأمارة بالسوء، وهو أشد الأطوار بدائية حيث تقع فيه الروح في شرك المطامع الدنيوية
٢- الطور الثاني: جهاد النفس حتى تصل لمقام النفس اللوامة، بداية الرحلة نحو النقاء الداخلي
٣- الطور الثالث: النفس الملهمة، معرفة المعنى الحقيقي لكلمة "الخضوع"
٤- الطور الرابع: النفس المطمئنة ، الدخول في وادي الحكمة وتتملك النفس صفات الكرم والرضا والعرفان
٥- النفس الراضية: الإنتقال إلى وادي الوحدة ، فتشعر النفس بالرضا المطلق
٦- النفس المرضية: يصبح المرء مشكاة للإنسانية، يعلم النور
٧- النفس النقية: حيث يصبح المرء هو "الإنسان الكامل"

يسهل تلخيص أطوار بلوغ الطريق ويصعب اجتيازها، فاحتمال السقوط من طور إلى طور والرجوع إلى القهقرى دائم، فالطريق ليس مستقيما والأفخاخ منصوبة على جانبيه.

كان شمس يريد أن يعرف مدى استعداد ابن الرومي للمضي في محو شخصيته كي يذوب في الله.

- ماذا عنك أيها الخطيب العظيم: فمن بين الأطوار السبعة، في أي طور أنت الآن؟ وهل تظن أن لديك الشجاعة للمضي حتى النهاية؟ قل لي ما هو حجم كوبك؟
- باطن الله، يا وجه الله المخفي، افتح لي عقلي حتى يمكنني أن أرى الحقيقة

كان الناس كثيرا ما يثرثرون حول زوجة ابن الرومي المسيحية "كيرا"، هل ستعتنق الإسلام؟ وإن اعتنقته فهل ستصبح واحدة منهم؟ هل على عالم مرموق أن يقترن بامرأة لا تنتمي لدينه؟ في نفس الوقت كانت كيرا تتسائل:

إن الأناضول مزيج من الأديان والشعوب يتناولون نفس الطعام ويغنون نفس الأغاني ويؤمنون بنفس الخرافات. أطفال مسلمون ترضعهم أمهات مسيحيات، لم لا يكونوا قادرين على العيش معا؟ كلمات يؤدونها لا أفهمها ويصعب استيعابها. العلماء المسلمون ينتقدون الدين المسيحي لأنه يؤمن بالثالوث المقدس، والقساوسة المسيحيين ينتقدون المسلمين لأنهم يعتبرون القران كتاب كامل ، لا يصعب علي تصديق فكرة أن المسيح ليس ابن الله بل عبده. آه لقد ازدادت وحدتي منذ أن سكن شمس في بيتنا، فقد تحول زوجي إلى رجل مختلف.

وتمر أوقاتا أرغب فيها بالتمرد لأنني خلقت امرأة، فلا أحد يعطي النساء كتبا حتى لا تفتح عيونهن. كنت أتسلل فأجلس وسط الكتب وأتساءل ما هي الألغاز التي تخفيها في داخلها. دخلت المكتبة يوما ورحت اقرأ كتاب "إحياء علوم الدين" للغزالي. فقال لي زوجي عندما رآني ماذا تفعلين؟ لا تلمسي كتبي مرة أخرى، بل أفضل أن لا تدخلي مكتبتي على الإطلاق.

في أحد الأيام مر ناسك بقرية من قرى جبال طوروس، فأصابه التعب فقام أحد مزارعي القرية باستضافته. وبينما كان يروي قصة، سمعتها ابنة المزارع فاغمي عليها.
- إن ابنتك "كيمياء" طفلة موهوبة، يجب أن ترسلها إلى المدرسة
- ما الفائدة إذا تعلمت الفتاة
- يجب أن تبقى بجانبي وتساعدني في حياكة السجاد حتى تتزوج، فهي حائكة رائعة... قالت زوجة المزارع
- قد تصبح عالمة معروفة ذات يوم، إن الله لا يكره ابنتك لأنها فتاة
- ان البنات لا يحتجن إلى كتب، بل يحتجن إلى تعلم الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال
اقتنع المزارع بقول الناسك وأخذ ابنته إلى قونية حيث يوجد بها عالم مشهور يقال له ابن الرومي
- يشرفني يا مولاي أن أدرس القرآن على يديك، وأنا مستعدة للإجتهاد في الدراسة
- هذا رائع ، لكنك فتاة
هكذا وصلت إلى بيت الرومي، أمضيت ثمان سنوات سعيدة حتى مجيء شمس التبريزي الذي غير وجوده كل شيء

أخوكم
رياض الشيخ باقر

الأحد، 26 أبريل 2015

قواعد العشق الأربعون: الحلقة السابعة عشرة

مدينة قونية ١٢٤٤ م


- نستطيع أن نبحث عن الله وأن نجده في عظمة وروعة الكون الذي خلقه على صورته أينما استدرنا، لكن البشر نادرا ما يفعلون...
قال شمس ذلك وهو يتذكر الشحاذ والبغي والسكران.
- أناس عاديون أمراضهم مشتركة محورها الانفصام عن الواحد الأحد، هؤلاء لا يراهم العلماء الذين يجلسون في أبراجهم العاجية
وأخذ شمس يتسائل، هل الرومي يختلف عنهم.

تذكر حكاية مفادها، أن درويشا جوالا وصل لقرية أهلها لا يحبون الغرباء، فصاحوا به:
- اخرج !! فلا أحد هنا يعرفك
- نعم لكني أعرف نفسي ، صدقوني ، فمن يعرف نفسه ، يعرف الواحد الأحد
وتذكر قاعدة اخرى تقول :

"ما الحياة إلا دين مؤقت، وما هذا العالم إلا تقليد هزيل للحقيقة، والأطفال فقط هم الذين يخلطون بين اللعبة والشيء الحقيقي ومع ذلك فإما أن يفتتن البشر باللعبة، أو يكسرونها بإزدراء ويرمونها جانبا، في هذه الحياة تجنب التطرف بجميع أنواعه، لأنه سيحطم اتزانك الداخلي"

و قال في نفسه
- قلة قليلة تهتم بالنباتات ذات الأشواك، بالرغم أنه يمكن صنع أدوية عظيمة منها. ألا ينطبق ذلك على حديقة العشق؟ كيف يكون العشق جديرا باسمه ما لم يختر المرء منه إلا الأشياء الجميلة ويترك الأشياء الصعبة؟ فالتحدي الحقيقي هو أن يختار المرء الأشياء الجيدة والسيئة معا. لا لأنه يجب أن يتقبل الأشياء لحلوها ومرها، بل لأنه يجب أن يتجاوز هذه الأوصاف و يتقبل الحب برمته.

اجتاز ابن الرمي الطريق على حصانه الأبيض الذي علق على رقبته أجراسا كي يسمع الناس رنينها و لا يسدوا الطريق كي يتمكن من السير بسرعة أكبر. بين بيوت متداعية وباعة اختلط ندائهم مع بكاء الأطفال وأنات المرضى والفقراء والشحاذين، يطلبون منه أن يباركهم  أو يدعو لهم. بل كان البعض يتجاوز طلب النقود إلى طلب الشفاء أو رقية من عمل شرير صنع له كأنهم لم يروا أن لا مقدور لنبي أو ولي أو حكيم الإتيان بمعجزة من هذا الإتيان بهذا.

عندما اقترب الرومي من خان السكر، ظهر له ولياً جوالا يشق صفوف الناس متوجها اليه. وقف في منتصف الطريق رافعا ذراعيه عاليا، و كأنه لم يكن يريد أن يوقف موكب الرومي، بل يوقف تدفق الزمن كذلك. و قرب من الرومي ومسح على رأس ورقبة الحصان الجافل فهدأت روعته، ثم نظر إلى الرومي و قال:
- جئت هنا لأسئلك سؤالا لو سمحت
- تفضل
- عليك أولا ان تترجل عن حصانك كي نكون على سوية واحدة
فترجل ابن الرومي عن حصانه ، حينها دار الدرويش ظهره وسار مبتعدا
- يا صاح انتظر! أريد ان اسمع سؤالك
- حسنا قل لي أرجوك، من هو الأعظم برأيك، النبي محمد أم الصوفي أبو يزيد البسطامي
- ما هذا السؤال؟ كيف يمكنك أن تقارن بين نبينا العظيم عليه الصلاة والسلام، خاتم الأنبياء والمرسلين و بين صوفي سيء السمعة؟
- أفلم يقل النبي: يا رب أغفر لي عجزي عن معرفتك حق المعرفة، في حين البسطامي قال : طوبى لي فأنا أحمل الله داخل عبائتي؟ فإذا كان هناك رجل يشعر بأنه صغير بالنسبة لله بينما يدعي رجل آخر بأنه يحمل الله في داخله، فأيهما اعظم؟
لم يكن السؤال كما يبدو غريبا، بل إن تحته لغزا مثيرا لا يُحل إلا كشفا للحجب
- أرى ما تحاول أن تقوله، سأقارن بين القولين، مع قول البسطامي يبدو أعلى لكن سأخبرك لماذا أن العكس هو الصحيح
- كلي آذان صاغية
- إن حب الله محيط لا نهاية له، كل منا ينهل من الماء بقدره، وهذا يعتمد على حجم الكوب الذي نحمله. كان وعاء البسطامي صغيرا، فروى الماء القليل ضمأه  فسعد به ولم يتمكن من التمييز بين الله و بين وحدة النفس. أما نبينا فقد اختاره الله لأنه يحمل كوبا أكبر بكثير لكي يملأه، لذلك سأله الله في القرآن: ألم نشرح لك صدرك، فكان كوبه ضخما. وكان الماء المتدفق عليه عطشا على عطش، فقد روي و لم يرتوي.

نحنى شمس واضعا يده على صدره لابن الرومي، فما كان من ابن الرومي إلا أن انحى له، وقفا هكذا والناس في دهشة فهم لم يروا ابن الرومي ينحني لأحد من قبل، ما بالك لدرويش، مما جعل شمس يفضل أن يغادر، ثم التفت وقال:
- وماذا عن كوبك أنت ايها الخطيب العظيم؟ ما حجمه؟
سارع ابن الرومي إلى الدرويش محدقا في عينيه، ثم أدرك أن الدرويش الذي أمامه ما هو إلا ذاك الرجل الذي كان يأتيه في أحلامه وعرف أنه وجد رفيقه. فلم  ينحني الرومي من قبل إلا للملك أو للصدر الأعظم فمن هو هذ الدرويش الذي وجد نفسه منحنيا له؟

كانا يكتفيان بتناول قطعة من الخبز في الصباح وكوب حليب الماعز في المساء. لم يغادرا المكتبة طوال أسبوعين، مما خلق ذعر عند أولاد الرومي. فقد أزعجهما أن يقوم أبيهم بالانحناء إلى درويش في طريق عام وأمام الناس. والآن هذا الدرويش يسكن في بيتهم ويأخذ أباهم بعيدا عنهم، ولم يخرجا من المكتبة إلا بعد مرور أربعين يوما.

أخوكم
رياض الشيخ باقر

السبت، 25 أبريل 2015

قواعد العشق الأربعون: الحلقة السادسة عشرة

مدينة قونية ١٢٤٤ م

- من أين أتيت ،، و إلى أين أنت ذاهب... قال الحارس الليلي لسليمان السكران
- هذه أسئلة عميقة يا بني ، فلو كنت أعرف الأجوبة لحللت لغز سبب وجودنا في هذا العالم
- أتسخر مني، لعل ذلك يعلمك كيف تتصرف بأدب، ألا تعلم أن شرب الخمر من الكبائر... قال الحارس ذلك وهو يهوي بشدة بسوطة على صدر سليمان
- لو كانت الجنة مخصصة لأمثالك، لفضلت أن أحترق في نار جهنم...
وراح سليمان يغني مع كل ضربة سوط:
       قبليني يا حبيبتي ،                قشري قلبي حتى الصميم
       شفتاك حلوتان بحلاوة           نبيذ الكرز فصبي لي المزيد
بعدها فقد الزمن وطأته على سليمان، و كذلك كل شيء آخر، و توارى القمر وراء الغيوم..
- لم يتركني نوره فحسب بل، تركني وأنا لا أعرف من أنا، رحت أتخبط في بحر النسيان بين الحياة والموت، لم أعبأ إلى أين سينتهي بي الأمر
- يكفي يا بيبرس توقف
- إنك شخص مريض ، لا تلم إلا نفسك على ما فعلته بك...
قال ذلك بيبرس واختفى مع الحارس الآخر بعيدا في الظلمة. ظل سليمان يئن من جراحه، رأسه يترنح وتبول في سرواله، عندما كان يدعو الله، سمع خطوات شخص يقترب منه، لم يعد يخاف لأن لا شيء يخسره، جثا رجل بجانبه وساعده على النهوض
- إنك تنزف دما ،،. ليس من الخارج فقط بل من الداخل... قال شمس، وأخرج قارورة فضية وقال:
- إدهن جروحك بهذا المرهم، إن الجرح في داخلك أعمق وهو ما يجب ان تقلق منه، إنه سيذكرك بأنك تحمل الله في داخلك
- لقد ضربني الحارس بالسوط قال أني أستحق ذلك
- لا يحق لأحد أن يفعل ذلك فكل واحد يبحث في ذاته عن الله، هناك قاعدة تقول:

"لقد خلقنا جميعا على صورته ومع ذلك فإننا جميعا مخلوقات مختلفة ومميزة، لا يوجد شخصان متشابهان، ولا يخفق قلبان لهما الإيقاع ذاته، ولو أراد الله أن نكون متشابهين لخلقنا متشابهين. لذلك، فإن عدم احترام الإختلافات وفرض الأفكار على الآخرين يعني عدم احترام النظام المقدس الذي أرساه الله."

- لكن أليس لديكم أنتم الصوفيون شكوك حوله
- نعم إن الشك شيء جيد فهو يعني أنك حي ترزق ودائم البحث. كما أن المرء لا يصبح مؤمنا بين ليلة وضحاها، إذ يخيل إلى المرء أنه مؤمن ثم يحدث شيء في حياته فيصبح ملحداً، ثم يعود ويؤمن ثانية وهكذا دواليك حتى يزداد قربا من الحقيقة
- ماذا عن ورود الخمر في أشعار الصوفيين  فهل النبيذ الذي تمدحونه حقيقي أم مجازي؟
- هناك قاعدة تفسر ذلك تقول:

"عندما يدخل عاشق حقيقي لله إلى حانة فإنها تصبح غرفة صلاته، لكن عندما يدخل شارب الخمر إلى نفس الغرفة، فإنها تصبح خمارته، ففي كل شيء نفعله قلوبنا هي المهمة لا مظاهرنا الخارجية، فالصوفيون لا يحكمون على الآخرين من مظهرهم أو من هم، وعندما يحدق صوفي في شخص ما، فإنه يغمض عينيه و يفتح عينا ثالثة، العين التي ترى العالم الداخلي."

- في تلك اللحظة عرفت أن الله موجود وأنه يحبني... قال سليمان

كان للحارس بيبرس عماً معلما في مدرسة قونية متعصبا مثله، أمور كثيرة عنده يجب محاربتها، فقد انتشر الفساد والفسق والفجور، وهذا ما يزعجه و يقلقه، لأن الناس عنده  لم يعودوا يتمسكون بأهداب الدين ولا يعتصمون بحبل الله، وبسبب ذلك أرسل الله المغول عقابا لهم، و لو لم يأتِ بالمغول لوقع زلزال أو حلت مجاعة أو فيضان وفي يوم قريب سيزول جميع البشر من الوجود و نقتفي آثار قوم سدوم و عمورة.

كان دائماً ما يردد القلق المعشعش في صدره و يقول:
- كيف يجرؤ هؤلاء الصوفيون على تسمية أنفسهم مسلمين وهم يرددون أشياء لا تمت إلى الاسلام بصلة؟ يدعون أن محمد ص قال عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، لمجاهدة النفس، بل يذهب هؤلاء بأن الشريعة مجرد مرحلة في الطريق، ويعتبرون القرآن الكريم مليء بالرموز الغامضة والتلميحات المتعددة الطبقات، يبحثون عن الإشارات والمراجع الخفية في النص، بل يدعون أن البشر هم القرآن الناطق نفسه، إنهم أسوأ خلق الله. أما الفلاسفة فهم ليسوا بأفضل حال من الصوفيين، فهم يفكرون وكأن عقولهم المحدودة تستطيع أن تدرك غموض الكون، أفلا يدركون أننا معشر البشر لا ينتظر منا أن نعرف أكثر مما ينبغي لنا ان نعرفه؟ فلا تكمن مهمتنا في تفسير تعاليم الله، بل في إطاعتها والعمل بها.

أخوكم
رياض الشيخ باقر

الجمعة، 24 أبريل 2015

قواعد العشق الأربعون: الحلقة الخامسة عشرة


مدينة قونية ١٢٤٤ م


كانت وردة الصحراء  تتسائل وهي في القرية التي أسكنها فيها الخاطفون، لماذا لا تهرب العاهرات من القرية وهي مفتوحة على طرق الغابة؟ عرفت الجواب عندما جاءت إلى القسطنطينية هربا، عندما قدمت جسدها لأحد سائقي عربة من عربات النبلاء، فالمدينة أسوأ بكثير من القرية لذا لم تبحث عن عمتها العانس وبذلك أصبحت وحيدة، و تحطمت معنوياتها و تلف جسدها في عالم مليء بالحقد والاغتصاب والوحشية والمرض، مما تسبب لها أن تجهض عدة مرات متعاقبة وتضرر جسدها فتوقفت دورتها الشهرية ولم يعد بإمكانها الحمل.

رأيت أشياء لا أستطيع وصفها بكلمات، بعدها غادرت المدينة، سافرت مع جنود ومهرجين غجر،  لبيت كل احتياجهم ثم وجدني رجل يدعى (رأس الواوي) جلبني إلى هذا المبغى في قونية، و بسبب عقمي سمتني صاحبة المبغى (صحراء) ولكي يكون للأسم رونقا أضافت كلمة وردة، وأنا احب الورد. إن  الإيمان مثل البستان الذي فيه ورود مخفية تطوف حولها وتشم عبق عطرها، لكني لا أستطيع دخول البستان، أريد أن يعود الله صديقا لي كما كان ذات مرة، فأشتاق له وأدور حول الحديقة بحثا عنه.

هكذا وجدت نفسي انصت إلى خطبة الرومي عندما أخذت مكاني كرجل في المسجد، فماذا لو اكتشفوا أن بينهم امرأة، ناهيك عن أنها عاهرة.

قال الرومي: لقد خلق الله المعاناة حتى تظهر السعادة من خلال نقيضها، فالأشياء تظهر من خلال أضدادها، وبما أنه لا يوجد نقيض لله، فإنه يظل مخفيا.

أحسست بسحابة من السكينة تهبط علي وبراحة وبهجة مثل رؤية أمي وهي تخبز الخبز.

قبل أن يدخل شمس إلى المسجد أخرج المرآة الفضية وقال للشحاذ حسن: احتفظ بها لقد قدمها لي رجل طيب في بغداد لكنك تحتاجها اكثر مما أحتاجها أنا، إنها ستذكرك بأنك تحمل الله في داخلك.

في تلك اللحظة تعالت الأصوات وزاد الهرج والمرج ، فقد اكتشفوا وجود امرأة، عاهرة معروفة داخل المسجد متنكرة في زي رجل.

 اجلدوا هذه المرأة المخادعة بالسوط ! اجلدوا العاهرة بالسوط.

لم أعد أدهش لرؤية كيف يتغير بعض الناس عندما ينضمون إلى الغوغاء، إذ سرعان ما يتحول الرجال العاديون إلى أشخاص عدوانيين حتى أنهم يصبحون قتلة عندما يجتمعون، فقد شاع القتل وعرضت الجثث في الشوارع.

- "يا لها من امرأة مسكينة" دمدمت لشمس الذي لم أعد أراه فقد اندفع  بقوة نحو الغوغاء
- "توقفوا، توقفوا أيها الناس، توقفوا ، يجب أن تخجلوا من أنفسكم" قال شمس ذلك وهو يضرب بعصاه الارض... "ثلاثون رجل يهاجمون إمرأة واحدة ، هل هذا عدل؟"
- إنها لا تستحق العدل
- قال بيبرس: وجدناها متنكرة في ثياب رجل و اندست داخل المسجد لتخدع المؤمنين
- هل تقصد أنكم تريدون معاقبة شخص لأنه ارتاد المسجد؟ هل هذه جريمة
- إنها عاهرة، لا مكان لها في مسجد طاهر
- إنها عاهرة! زانية! لتقتل العاهرة
- هل أنتم تحتقرون هذه المرأة أم تشتهونها
- أخذ شمس يد المرأة و شدها اليه ، فاختبأت وراءه
- إنك ترتكب خطأ فادحا، إنك غريب في هذه البلدة ولا تعرف عاداتنا فلا تحشر نفسك
- من أي نوع من الدراويش أنت؟ ألا يوجد لديك شيء أفضل من الدفاع عن عاهرة؟
- كيف لاحظتم بوجودها في المسجد في حين كان من الواجب أن تهتموا بالخطبة؟ إنكم تهتمون بمن حولكم أكثر من اهتمامكم بالله. هيا ارجعوا إلى سماع الخطبة. هيا ، أيها الناس، هيا عودوا لسماع الخطبة...

كرّر شمس مقولته وهو يلوح بعصاه. احتار الناس فيما يفعلوه في حين تردد بعضهم في العودة للمسجد، فاستغلت الباغية هذا الارتباك واستجمعت قواها وولت هاربة، حاول البعض ملاحقتها فاعترضه شمس وألقى عصاه تحت أقدام من حاول مطاردتها فسقطوا على الارض، اختفت الفتاة وولت الأدبار، ابتعد شمس بعد ان اطمأن على الفتاة.

قبل حدوث تلك الجلبة كان سليمان السكران يسند ظهره في حانة من خمارات المدينة

- ما الذي يجري هنا؟
- قال خريستوس صاحب الحانة" لا تقلق أيها السكران العجوز، لا يوجد مغول يطاردونك، بل الرومي يمر
- فتح سليمان النافذة و طل برأسه متفرجا
- قال رجل في موكب الرومي عندما رآى سليمان: مسلم في حانة عار عليك، ألا تعرف أن الخمر رجس من عمل الشيطان؟

مرت قطعة حجر فوق رأس سليمان لولا أنه أنحنى لتهشمت جمجمته

- قال خريستوس:  ألا تعرف أن هناك أناسا لا يريدون رؤية مسلم في حانة، وها أنت تكشف عن نفسك ورائحة الخمر تفوح منك
- وما الضير في ذلك، ألست إنسانا، لهذا السبب أكره الدين، إذ يعتقد المتدينون أن الله واقف إلى جانبهم ويظنون أنهم يتفوقون على الآخرين
- لا أفهم لماذا حرم الله الخمر في هذه الدنيا ووعد بها في الجنة، إذا كانت سيئة لماذا تقدم في الجنة؟
- أسئلة ، أسئلة ، إنك تنضح بالأسئلة دائماً فهل عليك أن تسأل عن كل شيء ؟
- طبعا ، فلماذا مٌنحنا العقل
- قال تاجر فارسي جالس على طاولة قريبة يستمع لما دار:  نريد أن نسمع قصيدة للخيام
- قفز سليمان على الطاولة وأنشد :
      هل تظن أن الله خلق الكرمة       ثم حرمها وجعل شرابها إثما
      فاشكر الذي سخرها لنا هكذا      والذي لابد أنه يحب سماع صلصلة الأقداح
- الشراب يجعل من البعض مرحين ويجعل من آخرين أشرارا، فلا يجب أن نلوم الشراب بل يجب أن نلوم الشارب نفسه

كان بيبرس الحارس هو الزبون المزعج الدائم للمبغى وهو من عرفها في المسجد بعدما انحل الوشاح وانكشف وجهها وانفلت شعرها. لم يتسنى للفتاة الخروج من المسجد فقد أحاط بها جمع من الرجال، هناك رجال يضاجعون مموسات و يحتقروهن و يهينوهن على الدوام، و كان بيبرس منهم فكثير ما كان يضرب الفتاة التي يضاحعها ضربا مبرحا و يبصق في فمها و يلقي عليها النكت البذيئة، وها هو اليوم يجلس في الصف الأمامي بعد ان أرخى لحيته مثل الرجال الورعين، أمسك بيبرس بالفتاة و قال:

- ماذا تفعل عاهر هنا؟ ألا تخجلين؟
- أرجوك ، أرجوك دعني أذهب

تركت الفتاة الرجال يدفعونها نحو الباب إلى خارج المسجد بعدما انهار جسدها وهم يمطرونها بوابل من الإهانات، لم يساعدها أحد، ولم  تكد تطأ قدماها الشارع إلا وازداد الرجال عنفا و عدوانية.

- لم ينتابني شعور بالحزن كما الآن بالرغم مما عانيته في حياتي السابقة، فبعد سنوات من التردد اقتربت اليوم خطوة باتجاه الله، وكيف أجاب على تقربي منه! بركلي و طردي من بيته! ما كان علي ان اذهب هناك ، إنهم محقون لأنه ليس لعاهر مكان في مسجد أو كنيسه... قالت لسمسم الرجل البدين ذو عقل الطفل، الذي يحرس البغايا حال خروجهم من المبغى
- لا تقولي هذا... لم يكن هذا صوت سمسم بل الدرويش الأمرد الجوال، فحاولت وردة أن تقبل يديه لكنه منعها
- لكن كيف يمكنني أن أشكرك ؟ إني أدين لك بالشيء الكثير
- انك لا تدينين لي بشيء، إننا لا ندين لأحد بشيء إلا له. يبدأ بعض الناس حياتهم بهالة متوهجة لكنها سرعان ما تبدأ تفقد بريقها وتبهت. لقد فقدت هالتك أنت بريقها لأنك أقنعت نفسك طوال هذه السنوات بأنك قذرة من الداخل والخارج.
- لست قذرة، ألا تعرف ماذا أفعل لكسب رزقي
- ما الذي يجعلك تظنين أن أحدا من الرجال الذين أخرجوك من المسجد اليوم هو أقرب منك إلى الله؟ يجب أن تعرفي أن كل شيء مرتبط ببعضه بعضا في هذا الكون. فلسنا مئات وآلاف من الكائنات المختلفة، بل إننا جميعا شيء واحد

وهذه قاعدة من القواعد الأربعين:

"إذا أراد المرء أن يغير الطريقة التي يعامل بها الناس فيجب أن يغير أولا الطريقة التي يعامل بها نفسه. وإذا لم يتعلم كيف يحب نفسه حبّا كاملا صادقا فلا توجد وسيلة يمكنه فيها أن يُحبّ، لكنه عندما يبلغ تلك المرحلة سيشكر كل شوكة يلقيها عليه الآخرون، فهذا يدلّ على أن الورود ستنهمر عليه قريبا."

- كيف يمكن للمرء أن يلوم الآخرين لأنهم لا يحترمونه إذا لم يكن يعتبر نفسه جديرا بالاحترام

وأضاف شمس  و تابع :
- إن الماضي دوامة ، إذا تركته يسيطر على لحظتك الحالية فانه سيمتصك ويجرفك. ما الزمن إلا وهم فحسب، وكل ما تحتاجين إليه هو أن تعيشي هذه اللحظة بالذات، هذا كل ما يهم.

"لا تسري مع التيار، بل كوني انت التيار"

وهذه قاعدة من القواعد الأربعين


أخوكم
رياض الشيخ باقر

الخميس، 23 أبريل 2015

قواعد العشق الأربعون: الحلقة الرابعة عشرة


مدينة قونية ١٢٤٤ م

سكن شمس في خان تجار السكر. غرفة مفروشة بالحصير مع فانوس، واستغل الفرصة للتجول في المدينة التي تمتزج فيها الأديان والعادات واللغات. غجر يعزفون الموسيقى ومسافرون عرب وحجاج مسيحيون وتجار يهود وكهنة بوذيون وشعراء متجولون من الإفرنجة وفنانون فرس وبهلوانات صينيون وسحرة أفاعي هنود وسحرة زرادشتيون وفلاسفة يونانيون.

وفي سوق الجواري تتواجد محظيات ذوات بشرة بيضاء كالحليب، ومخصيون زنوج فقدوا القدرة على الكلام من شدة الأهوال، حلاقون يعملون الحجامة وبصارات يحملن كور بلورية وسحرة يبتلعون النار، حجاج لبيت المقدس وجنود هاربون من الحملات الصليبية، أشخاص يتكلمون اللغات الإيطالية والفرنسية والسكسونية واليونانية والفارسية والتركية و الكردية والأرمنية والعبرية، كان الجميع شيئا متشابها من النقص وعدم الاكتمال، وهو أن كل واحد منهم يشكل تحفة فنية غير مكتملة.

كانت المدينة أشبه ببرج بابل، تذكر شمس قاعدة وهو يراقب ذلك كله تقول :

"من السهل أن تحب إلها يتصف بالكمال والنقاء والعصمة ، لكن الأصعب من ذلك أن تحب إخوتك البشر بكل نقائصهم وعيوبهم، تذكر أن المرء لا يعرف إلا ما هو قادر على أن يحب، فلا حكمة من دون حب، وما لم نتعلم كيف نحب خلق الله، فلن نستطيع أن نحب حقاً ولن نعرف الله حقاً"

سار شمس في الشارع المعاكس للمسجد ، بيوت مهملة آيلة للسقوط ، تغيرت الروائح، توابل وثوم ثم فاحت له روائح العرق والعطر والشهوة، فعرف أنه وصل للشطر الفقير من المدينة، لاح له في آخر الشارع بيتا تجلس أمامه ثلة من النسوة، وبقربهن بستان مكسو بورود ملونة بجميع الألوان تنبعث منها اروع الروائح، ومع اقتراب شمس من النسوة، خرجت من البيت امرأة سمينة مزينة بالجواهر، كان لها شارب خفيف وسالفان وبعد أن تمعن فيها عرف أنها رجل وامرأة في آن معا، فقد ارتابت الخنثى من قدومه

- ماذا تريد..؟ لا مكان لك هنا.
- لم لا؟
- ألا ترى أن هذا المكان هو مبغى؟ ألم تقسموا يا معشر الدراويش بان تتحاشوا الرغبات الجنسية؟ انا أتصدق وأغلق أبوابي في شهر رمضان. هيا ابتعد ، هذا أقذر ركن في المدينة، أنا أريد أن أنقذك."
- إن القذارة تقبع في الداخل لا في الخارج هكذا تقول القاعدة، هذه إحدى القواعد تقول:

"إن القذارة الحقيقية تقبع في الداخل، أما القذارة الأخرى فهي تزول بغسلها، ويوجد نوع واحد من القذارة لا يمكن تطهيرها بالماء النقي وهو لوثة الكراهية والتعصب التي تلوث الروح نستطيع أن نطهر أجسامنا بالزهد والصيام و لكن الحب وحده هو الذي يطهر القلوب."

- لو تركتك تدخل المبغى لهدم الله هذا المكان على رؤوسنا ولعننا لأننا أغوينا مؤمناً، لن يحدث هذا حتى تنبت للضفادع لحى
- من أين تأتين بهذه الأفكار السخيفة؟ هل تظنين أن الله أب متقلب المزاج يراقبنا من السماء ويمطر فوق رؤوسنا أحجار وضفادع كلما ارتكبنا خطأ؟ لا تقلقي لست هنا لزيارة مبغاك بل لرؤية ورود الحديقة ، فمن يعتني بها؟
- فتاة تعمل لدي تدعى وردة الصحراء... فأومأت الخنثى الى فتاة شابة تجلس مع العاهرات
- إن تلك الفتاة طيبة، ستنطلق ذات يوم في رحلة روحية بحثا عن الله، إنها ستخرج من هذا المكان ولن تعود، فلا تمنعيها

نظرت الخنثى الى شمس بدهشة

- اخرج من هنا وإلا ناديت رأس الواوي
- سأغادر، لكني سأعود، فأنا لست واحدا من أولئك الأتقياء الذين يمضون حياتهم كلها وهم جاثمون على سجادة الصلاة، بينما يغلقون عيونهم و قلوبهم عن العالم الخارجي ولا يقرأون القرآن إلا قراءة سطحية، أما أنا فأقرأ القرآن من خلال الأزهار المتفتحة والطيور المهاجرة، إني أقرأ أنفاس القرآن التي تتخلل البشر. إنّ كل إنسان عبارة عن كتاب مفتوح وكل واحد منا قرآن متنقل، إن البحث عن الله متأصل في قلوب الجميع، سواء كان قديساَ او مومساَ، وهذا ما تقوله القاعدة:

"يقبع الكون كلّه داخل كل إنسان. في داخلك  كل شيء ترينه حولك بما في ذلك الأشياء التي قد لا تحبينها. حتى الأشخاص الذين تحتقرينهم أو تمقتينهم يقبعون في داخلك بدرجات متفاوتة، لذلك لا تبحثي عن الشيطان خارج نفسك، فالشيطان ليس قوة خارقة تهاجمك من الخارج، بل هو صوت ينبعث من داخلك، فإذا تعرفت على نفسك تماماً  واجهت بصدق وقسوة جانبك المظلم والمشرق، عندها تبلغين أرقى أشكال الوعي وعندما تعرفين نفسك، فإنك ستعرفين الله."

- درويش يعظ عاهرات، إني أحذرك


أخوكم
رياض الشيخ باقر

قواعد العشق الأربعون: الحلقة الثالثة عشرة


مدينة قونية ١٢٤٤ م

صور من التجلي لا ترى :

الثور و المزارع

قبل أن يدخل شمس مدينة قونية ذهب إلى أوليائها الصالحين من مسلمين أو مسيحيين أو يهود، لأنه يؤمن بأن الأولياء الصالحين يترفعون عن هذه الفروق الإسمية التافهة، فهم ينتمون إلى سائر البشرية، طلب من الريح أن تحمل كلماته إلى الأولياء والقديسين في طول البلاد وعرضها، لكنهم لم يمنحوه بركاتهم بالرغم من أنهم سمعوه، أخيراً قالت له الريح ، إما الحب الخالص وإما الكره المحض نقيضين في هذه المدينة، هذا ما ستجد لا غير، فتذكر قاعدة من قواعده تقول:

"لا تحاول أن تقاوم التغييرات التي تعترض سبيلك، بل دع الحياة تعيش فيك، ولا تقلق إذا قلبت حياتك رأسا على عقب، فكيف يمكنك أن تعرف أن الجانب الذي اعتدت عليه أفضل من الجانب الذي سيأتي."

ترك حصانه يرعى الأعشاب المتناثرة ، فعرض عليه فلاحا يجر عربته بثور عجوز أن يوصله فقال له:
- شكرًا ، أظن أنني أستطيع أن أكمل رحلتي مشيا على القدمين أسرع من ثورك
- لا تبخس ثوري قدره
- كيف لي أنا ذلك العنصر البسيط في دائرة خلق الله الواسعة، أن أبخس من قدر عنصر آخر في هذه الدائرة، سواء أكان حيوانا أم إنسانا ؟ إني أعتذر منك ومن ثورك، أرجوك سامحني. قال شمس ذلك وهو منحني أمام الفلاح.
- لم يفعل ذلك أحد قط
- أتعني الاعتذار من ثورك؟
- وهذا أيضاً ، لكن احدا لم يعتذر لي قط، فأنا الذي أعتذر دائماً عندما يخطىء الناس.

فقال شمس بهدوء:
- يقول القرآن الكريم (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) وهي قاعدة من القواعد. إن الله منهمك في إكمال صنعك من الخارج ومن الداخل. إنه منهمك بك تماماً، فكل إنسان هو عمل متواصل يتحرك ببطء ولكن بثبات نحو الكمال. فكل واحد منا هو عبارة عن عمل فني غير متكامل يسعى جاهدا للاكتمال. إن الله يتعامل مع كل واحد منا على حدة لأن البشرية لوحة جميلة رسمها خطاط ماهر تتساوى فيها جميع النقاط من حيث الأهمية لإكمال الصورة.
- هل أتيت لتسمع الخطبة أيضاً
- قل لي ما الذي يميز خطب الرومي
- لقد أتيت من قرية حلّت عليها المجاعة ثم جاء المغول وحرقوا ونهبوا وفعلوا بالمدن ما هو أسوأ. استولوا على أرض روم وسيواس و قيصرية، ذبحوا جميع الذكور وسبوا النساء. خسر الجميع بهجتهم.
- ما علاقة ذلك بالرومي
- الجميع يقول إنك إذا استمعت لخطب الرومي فإن حزنك سيزول
- هل الحزن هو المشكلة، أم النفاق؟ فالحقيقة هي من تجعلهم يشعرون بالحزن


المتسول حسن

صدّق أو لا تصدّق، إنهم يطلقون على هذا المطهر الأرضي ( حاجز بين الجنة والنار) بالعذاب المقدس، أنا الأبرص العالق في اليمبوس (دهليز في جهنم)

قال حسن المتسول الأبرص البائس الذي لا يريد أحد مخالطته أو التحدث معه، حتى النساء والاطفال يرجمونه، فقد تطور البرص إلى جذام والمجذومون يعيشون خارج أسوار المدينة، بل عليهم أن يعلقوا جرسا لتحذير الآخرين، فلا رزق لهم إلا التسول والصلاة: "وبسبب الصلاة فقط يعطف الله علينا ويجعل الناس يحترموننا ويحتقروننا في نفس الوقت، بل هم يطلبون بركات صلاتنا لهم، مقابل المال أصلي، أدمدم بكلمات لا أفهم معناها بخشوع، فكل ما عندي هو الادعاء والتصنع، وكنت أتسائل دوما هل الله يسمعني ؟؟ ، لأني لا أملك سببا يجعلني أؤمن أنه يسمعني."

يعتبر يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع للتسول. أما رمضان فكل أيامه مربحة، لأن الناس يتدافعون لدفع الزكاة كي يغفر الله لهم ذنوبهم
والجلوس قبالة المسجد هو الأفضل للمتسولين حيث يضعون طياسهم، والمجذومون لا حاجة لهم لخلق القصص والبكاء أو لجلب الأطفال أو الرضع، يكفي أن يكشف عن وجهه أو أصابعه التي أكلها الجذام.

"كنت أحلم بقطعة من النقود الذهبية تقع في طاستي محفور عليها رمز الشمس والأسد والهلال، فجميع العملات المعدنية الصادرة عن ولاة حلب والحكام الفاطميين في القاهرة والخليفة في بغداد كذلك نقود الفلورين الإيطالي صالحة للتداول، وتتساقط القطع النقدية في طاستي حالما يروني، فهم لا يرون من أنا ، بل يرون ما أفقده."

جاء الرومي على حصانه و حوله حشد من المعجبين والمريدين، فأخذ حسن  ما بالطاسة من نقود ولف رأسه ودخل المسجد.

"إخوتي"، قال الرومي مبتدأ خطبته...
"إن رحابة الكون تجعلنا نشعر بضآلتنا، بل بعدم أهميتنا، لقد كرم بني آدم بمعارف عظيمة لا تقوى على حملها حتى الجبال والسموات (إنا عرضنا الامانة على السماوات)، لا شيء يقربنا من الله إلا الألم و المعاناة."

"أعجبني ما قاله الرومي بأن المتعة والحزن يعتمدان على بعضهما، ولكن الاستياء خنق حنجرتي، فما الذي يعرفه الرومي عن المعاناة والألم ، فهو وريث عائلة ثرية مشهورة، هنا تساءلت عن السبب الذي يجعل الله غير عادل، كيف يمنحني الفقر والتعاسة، ويمنح الرومي الثروة والجاه والحكم (هل هو القبض و البسط)، إن يدك تفتح وتغلق باستمرار وإن لم تفعل فستصاب بالشلل، هل يد الله كذلك؟

مع كل سؤال جديد كان استيائي يزداد ، لم استطع المكوث في المسجد أطول و شققت طريقي من بين المصلين إلى الخارج."


الباغية وردة الصحراء

لماذا يقول الناس أنهم يكرهون رؤية البغايا وفي نفس الوقت يصعبون طريق التوبة عليهم؟ هل على الباغية أن تبقى في المكان الذي سقطت فيه وتسافلت إلى الدرك الأسفل؟

تقول الباغية وردة الصحراء: "كل ما أعرفه هو أن بعض الناس يتغذون على تعاستنا... رغبت أن أستمع لخطبة الرومي، ولكن منذ متى تؤم  العاهرات المساجد؟ تذرعت عند صاحبة المبغى بأنني أريد شراء بعض الحاجيات، فصدقتني فخرجت تجاه الجامع، في الطريق اختبأت وراء أجمة تقع بعد التقاطع وأخذت البس لباس الرجال." 

تذكرت قول أمي: أخشى أن تكوني قد ولدت تحت نجم سيء،  فقد انتشرت وقتها قوات الصليبيبين وسمعنا قصص مرعبة عن مجازر وحشية وقعت في القسطنطينية، ثم جاءت هجمات السلاجقة وبعدهم المغول الذين لا تعرف قلوبهم الرحمة.

كان والديّ خبازين مسيحيين مؤمنين، كنت أرى عيون الفقراء الذين يستجدون بقايا وفتات الخبز، وكنت أكلم الله وأشكره كأني أكلم صديقا، لأن الله كان صديقي آنذاك.

بعدها ماتت أمي في مخاض عسير فقد كان في رحمها ثلاثة أجنة ، وبالرغم من محاولات القابلة لإنقاذ حياة أخوتي وحياة أمي، إلا أنها وبعد مرور أربعة أيام توفيت، وانقلبت حياة أبي وتدهور العمل بالمخبز وعانى أخي الذي تبقى من المخاض العسير سوء معاملة أبي الذي حمّله مسئولية وفاة أمي وسوء أحوالنا.

 كنا نتأمل أن أوضاعنا ستتحسن بعد أن تزوج أبي، إلا أن الوضع ازداد سوء فقد زاد العذاب علي أخي بعذاب زوجة أبي له. مرّت السنون والوضع يزداد سوء ويزداد قساوة على أخي، وذات يوم وُجد أبي وزوجته مقتولين بسم الجرذان. شاع خبر أن القاتل هو أخي ذو الست سنوات، الذي لم أره فقد هرب من المدينة.

بعدها غادرت وأنا في الثالثة عشر من عمري إلى القسطنطينية لأعيش مع عمتي العانس، و في الطريق سلبت عصابة من اللصوص العربة التي ركبتها ولما كنت لا أملك شيئاً قال زعيمهم: "هل انت عذراء إيتها الجميلة... هيا بنا... خذوا الخيول والفتاة."

 لم يهم أحد بمساعدتي بالرغم من مقاومتي لهم، بعدها أخذني اللصوص إلى غابة أقاموا فيها قرية ، عندها عرفت مغزى سؤاله عن عذريتي، فقد كان زعيم القرية مصاب بحمى عصبية لن تزول الا اذا عاشر بكراً لينتقل إليها مرضه فيشفى منه ، هكذا كانت البداية التي لا شأن لي في بدايتها.


الشحاذ حسن 

خطبة منمقة تلفظها الرومي عن الألم و المعاناة وهل يعرف عنهما شيء "همهم الشحاذ حسن هذه الهمهمات في نفسه وإذا به يرى درويشا يرتدي ثوبا أسودا باليا ويحمل عصا كبيرة وكان أمردا.  "لم يتجاهلني كما يفعل الجميع، بل وضع يده اليمنى على صدره وحياني! رددت له التحية، جاء نحوي و جثا على ركبتيه:

- السلام عليك ايها الشحاذ
- وعليك السلام أيها الدرويش
- ما اسمك
- وما حاجة رجل مثلي إلى اسم
لكل شخص اسم ، لله أسماء لا يحصى عددها ولا نعرف منها إلا تسعة و تسعين اسما ، فإذا كان لله اسماء فكيف يمكن لإنسان وهو صورة الله أن يجول من دون اسم؟


أخوكم
رياض الشيخ باقر

الثلاثاء، 21 أبريل 2015

قواعد العشق الأربعون: الحلقة الثانية عشرة


من بغداد إلى القيصرية


الأخ سيد برهان الدين،

يوجد درويش جوال تحت سقف تكيتي يدعى شمس التيريزي هو الشخص الذي تبحث عنه. فهو يؤمن أنه يحمل رسالة خاصة إلى هذا العالم، ولكي يحقق غايته فهو يبحث عن شخص متنور لينقل له رسالته وينوره، وهو لا يبحث عن مريد أو تلميذ، بل يسأل الله أن يعثر على رفيق، إنه ليس لأشخاص عاديين بل لشخص يرشد العالم إلى الحقيقةز

كان شمس هو الوحيد المؤهل لأداء هذه المهمة بالرغم من وجود العديد من الدراويش في التكية، فقد عاش حياة البداوة، فهو ليس شخصا سهل المعشر، لكنه إذا أقام في مدينة واختلط بأهلها فانه سوف يزعج البعض.

تمشيت مع شمس في المساء الذي سبق مغادرته، حول أشجار التوت حيث دودة القز.

"إن العادات القديمة قلما تموت، إن الحب رهيف على نحو ممض وقوي على نحو مدهش أشبه بالحرير، إن دودة القز تتلف الحرير الذي تنتجه بعد ان تنبثق من شرنقتها ، لذلك يتعين على المزارع الاختيار بين الحرير ودودة القز، لذلك فهم يقتلون دودة القز وهي لا تزال داخل الشرنقة لإخراج الحرير سالما، ولصنع وشاح حريري واحد تستخدم المئات من دودات القز"

عرفت أنها المرة الأخيرة التي سيقف فيها شمس قبالي في هذا البستان، وشعر هو بذلك ومسه حزن لأنه لن يراني مرة أخرى، وقبل أن يقبل يدي و يودعني قام بقص شعره وحلق لحيته، قال كلمات: "إن دوره في هذه القصة كدودة القز، وسينسحب هو والرومي إلى شرنقة العشق الإلهي ولن يخرجا منها إلا عندما ينسج الحرير الثمين، لكن لكي يعيش الحرير، يجب أن تموت دودة القز."

ثم غادر الى قونية.

بابا زمان

ليس من السهل أن تكون درويشا. إنهم يصلون ويعملون ، ويعملون ويصلون، وهذا ديدنهم من الفجر حتى المغرب يمضي في عمل وعبادة  سكنهم في حجر صغيرة واطئة لا يمكن الاستلقاء أو الوقوف فيها. كان يطلب منهم إذا احتلموا بجسد امرأة أن تقرع الأجراس المتدلية من السقف، ولكن ما الخطأ في أن تخطر للمرء أفكار مشتتة وهو شبه سجين فاقد للحركة، والحقيقة المرة أن الدراويش لا يخترقوا القواعد، ففي تكية الدراويش يضعون مقدمة حذاء الدرويش باتجاه الخارج دلالة على أنك قد أخفقت فهم لا يقولون لك هذا صراحة ولا يطردونك بل يجعلونك تخرج بصمت، فهم "لا يستطيعون أن يجعلوا منك درويشا رغما عنك، إذ يمكن للمرء أن يجلب حمارا إلى الماء لكنه لا يستطيع أن يرغمه على الشرب، فيجب أن يكون لدى الحمار الاستعداد لذلك"

انطلق شمس في رحلة حب داخلية وفي قرارة نفسه أن ذلك لن يفضي إلى وقوع أي ضرر و تذكر قاعدة عشقه العاشرة التي تقول:

"لا يوجد فرق كبير بين الشرق والغرب والجنوب والشمال، فمهما كانت وجهتك يجب أن تجعل الرحلة التي تقوم بها رحلة في داخلك فإذا سافرت في داخلك فسيكون بوسعك اجتياز العالم الشاسع وما وراءه."

بما أن شمس رجل صوفي فإنه تقبّل الشوكة والوردة معا، وتقبّل مساوىء الحياة ومحاسنها ، هنا تذكر شمس قاعدة اخرى تقول :

"عندما تجد القابلة أن الحبلى لا تتألم أثناء المخاض، فإنها تعرف أن الطريق ليس سالكا بعد لوليدها ، فلن تضع وليدها إذا، ولكي تولد نفس جديدة، يجب أن يكون هناك ألم، وكما يحتاج الصلصال إلى حرارة عالية ليشتد ، فالحب لا يكتمل إلا بالألم."

حلق شمس شعره ولحيته شاربه ونزع حواجبه ، كي يصبح وجهه مجرداً من أي اسم أو عمر أو جنس ، ولم يعد له ماض ولا مستقبل وأصبح مغلقا إلى الأبد منذ هذه اللحظة.

بدأت رحلته وهي لما تبدأ بعد ، هنا تذكر شمس قاعدة اخرى تقول:

"إن السعي وراء الحب يغيرنا ، فما من أحد يسعى وراء الحب إلا و ينضج أثناء رحلته، فما إن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ تتغير من الداخل والخارج."

قبل أن ينطلق شمس في رحلته، أخرج بابا زمان صندوقا مخمليا فيه ثلاثة أشياء :
 * مرآة فضية
 * منديل حريري
 * قارورة زجاج فيها بلسم

قدمها لشمس وقال:  "إذا فقدت الثقة بنفسك ستريك المرآة جمالك الداخلي، وإذا أحسست بأن سمعتك قد شابها شائبة سيذكرك المنديل بشدة نقاء قلبك، أما البلسم فانه سيشفي جراحك الداخلية والخارجية"

بعدها غادر شمس إلى القدر الذي كتبه الله له.

توقف شمس في أحد أسواق بغداد، فظهر له التلميذ الذي يعمل في مطبخ التكية

- أيها الشاب المجهول ذو الشعر الأحمر ماذا تفعل عندك ممدا على الارض؟
- أريد أن أرافقك، أرجوك دعني أرافقك
- هل تعرف إلى أين أنا ذاهب؟
- لا، لا يهم، أريد أن أكون مريدا لك وتكون قدوتي.
- لا أريد أن يكون لي مريدين، ولكن إذا ظللت تبحث عن معلم فتذكر قاعدة ذهبية تقول :

"يوجد معلمون مزيفون وأساتذة مزيفون في هذا العالم أكثر عددا من النجوم في الكون المرئي، فلا تخلط بين الأشخاص الأنانيين الذين يعملون بدافع السلطة وبين المعلمين الحقيقين، فالمعلم الروحي الصادق لا يوجه انتباهك إليه ولا يتوقع طاعة مطلقة، أو إعجابا تاما منك، بل يساعدك على أن تقدر نفسك الداخلية وتحترمها. إن المعلمين الحقيقين شفافون كالبلور، يعبر نور الله من خلالهم."

 - أرجوك امنحني فرصة كمريد أو خادم
- هل تقدر على مرافقتي؟ حسنا ، اذهب إلى أقرب حانة واطلب إبريقا من الخمر وأتي به هنا واشربه في السوق
- كنت أقوم بجميع الأعمال الشاقة ، لكن احتساء خمرة بين جموع الناس في السوق ، يفوق طاقتي ، لا يمكنني أن افعل ذلك، فلو عرف أبي لكسر ساقي فقد أرسلني لتكية الدراويش كي أصبح مسلما صالحا، لا أن أصبح كافرا من عبدة الأوثان، ماذا ستقول عني عائلتي وأصدقائي
- كما ترى لا يمكن أن تكون مرافقا لي ، فأنت تهتم كثيرا برأي الناس فيك
- الإسلام يحرم الخمر
- لكن هذا لعب بالله، فليس من مهمتنا أن يحكم أحدنا على ايمان الآخر، أنت تريد أن تجتاز الطريق، لكنك لا تستطيع أن تضحي من أجل ذلك، المال أو القوة أو الشهرة أو الإسراف أو المتعة الجسدية، أي شيء يعتبره المرء عزيزا عليه في الحياة ، يجب ان يتخلص منه.

"أحلامنا جزء من قدرنا ، فهي تأخذ مسارها كما شاء الله"، همس الرومي بعد ان رأى ذات الحلم مرّة أخرى لأربعين ليلة مضت، حلم يراوده ، "أرى نفسي قاريء للقرآن قبالة درويش حامل شمعدان من خمسة شموع وعندما رفعت رأسي اتضح ان الشمعدان يده و الشموع أصابعه ، فخلعت عبائتي لأطفىء اللهب ، لكنه اختفى ، فأخذت أبحث عنه وأصيح، عد أيها الحبيب، أين أنت، توجهت للبئر فرأيت في قعره عينين سوداويين وسمعت أحدهم يقول، لقد قتلوه."

في قونية، " لقد اكتملت حياتي فقد منّ الله عليّ بالمعرفة والفضيلة والقدرة على مساعدة الآخرين للبحث عن الله. إذا لماذا يعتريني شعور بالفراغ الداخلي، ويزداد عمقا واتساعا يوما بعد يوم، إنه ينغل في روحي كالمرض و يرافقني حيثما ذهبت."

أخوكم
رياض الشيخ باقر

قواعد العشق الأربعون: الحلقة الحادية عشرة


من القيصرية إلى بغداد ١٢٤٣ م

الرسالة :
أخي العزيز بابا زمان،

كان السلطان الراحل علاء الدين كيقباذ يحلم ببناء مدينة يعيش فيها الشعراء والحرفيون والفلاسفة ويعملون بسلام. حلم قال عنه الكثيرون أنه مستحيل تحقيقه بسبب الفوضى والحروب بالعالم التي شنها المغول والصليبون. مسيحيون يقتلون مسلمين ومسيحيون يقتلون مسيحيين، ومسلمون يقتلون مسيحيين، ومسلمون يقتلون مسلمين.

أديان وطوائف وقبائل، حتى الأخوة يتحاربون. لكن قيباذ اختار قونية لتحقيق حلمه.

و يعيش فيها حالياً عالم يدعى مولانا جلال الدين، يعرف بالرومي، كان لي الشرف الدراسة معه، أولا كمعلم له ثم بعد وفاة أبيه أصبحت تلميذا لتلميذي. فقد كان يتصف بصفة لا تتوفر إلا لقلة قليلة من العلماء وهي القدرة على الغوص تحت قشرة الدين واستخراج الجوهرة العالمية والأبدية من جوهره.

فعندما التقى الرومي الشاب بالشيخ الصوفي الجليل فريد الدين العطار فقال عنه: "إن هذا الفتى سيفتح بابا في قلب العشق و يضرم النار في قلوب جميع العشاق الصوفيين".

وعندما رأى ابن عربي، الفيلسوف البارز والكاتب الصوفي المعروف، الرومي الشاب وهو يسير وراء أبيه قال
"سبحان الله ، محيط يمشي وراء بحيرة".

الرومي في عمر الرابعة والعشرين أصبح زعيما روحيا، و بعد مضي ثلاثة عشر سنة اعتبره سكان قونية قدوة لهم. ففي كل جمعة يتوجه الناس من جميع أرجاء المنطقة لسماع خطبته في جامع المدينة الكبير، في براعة يتناول الفقه و الفلسفة واللاهوت وعلم الفلك والتاريخ والكيمياء والجبر. وله من المريدين عشرة آلاف يرون أنه سيحدث تغييرا إيجابيا مهما في تاريخ الإسلام إن لم يكن في تاريخ العالم.

لقد أسر لي الرومي بنفسه، أنه لا يشعر بالرضا عن نفسه، إذ ينقص حياته شيئاً ما. إنه فراغ لا يملأه أحد من مريديه، مع أنه لا يزال غراً ولم يحترق، كانت كأسه متفرعة حتى الحافة. إلا أنه يجب أن يفتح باب روحه لكي تتدفق مياه الحب إلى الداخل والخارج.

إنه بحاجة إلى صديق و رفيق درب، فذكرته بالحديث الشريف: "المؤمن مرآة المؤمن"

إنه يبحث عن حلم يراوده باستمرار.

"يبحث عن شخص يعيش في مدينة كبيرة تعج بالناس، كلمات عربية، غروب شمس مثيرة وأشجار توت ودودة قز تنتظر بأناة في شرانق سرية لحظة وصولها، ثم رأى نفسه في فناء بيته جالسا بالقرب من البئر يحمل فانوسا و يبكي"

تذكرت أنك مولع بالحرير ودودة القز، لذا فالمكان الذي رآه الرومي ما هو إلا تكية الدراويش التي أنشأتها أنت، فهل يعيش رفيق الرومي تحت سقفك، كي نساعد أنا وأنت على التقاء نهرين ليصبا في محيط العشق الإلهي  وليكونا مجرى ماء واحد.

إن الرومي يحظى بحب الكثيرين واحترامهم وإن هذا التدفق معا قد يولد السخط والمعارضة ويسبب الخصومة ، وقد يعرض كل ذلك رفيق الرومي إلى خطر لا يمكن لأحد معرفته، قد لا يتمكن مَن ترسله إلى قونية من العودة منها.
أنتظر ردك،
السيد سعيد برهان الدين

أثار رسول قادم من القيصرية إلى بغداد لغطا بين الدراويش الذين يعرفون أن الزوار في هذا الشتاء القارص اكثر ندرة من العنب الصيفي الحلو. رسول يحمل رسالة مستعجلة، والكل متلهف لمعرفة فحوى الرسالة بما فيهم سيد التكية الذي تلقفها وهو متدثر بعباءة أسراره و بطبعه البارد العنيد وحذره الشديد.

أما شمس فدفعه الفضول لإحساس انتابه بأن الرسالة تخصه شخصيا، فأمضى عدة أمسيات في خلوة مع نفسه مرددا أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين لعلها ترشده، وفي كل مرة يبرز له اسم -الجبار- الذي لا يمكن أن يجري في سلطانه شيء إلا بإرادته.

لم تدم حيرة دراويش التكية طويلا، فبعد عدة أيام سمع الجرس النحاسي في حلقة المطبخ يقرع عدّة مرّات داعيا الجميع إلى اجتماع عاجل، فحضر الجميع وجلسوا في الغرفة الرئيسة في الخانقاه في شكل دائرة عريضة جلس السيد في وسطها زاما شفتيه و كانت عيناه غائرتين وقال: "إن الاجتماع حول الرسالة التي تلقاها، وأنه يعيش عالم متبحر في مدينة يجيد استخدام الكلمات، لكنه لا يستخدم استعارات كثيرة لأنه ليس بشاعرٍ ولا عاشق"

هنا تذكر شمس إحدى قواعده التي تقول :

"الوحدة و الخلوة شيئان مختلفان، فعندما تكون وحيدا فمن السهل أن تخدع نفسك ويخيل إليك أنك تسير على الطريق القويم، أما الخلوة فهي أفضل لنا ، لأنها تعني أن تكون وحدك من دون أن تشعر بأنك وحيد. لكن في نهاية الأمر من الأفضل لك أن تبحث عن شخص، شخص يكون بمثابة مرآة لك، تذكر أنك لا تستطيع أن ترى نفسك حقاً إلا في قلب شخص آخر، وبوجود الله في داخلك."

- تابع السيد القول: هل يرغب أحد منكم التطوع للقيام بهذه الرحلة الروحية؟
- تساءل أحد الدراويش: من هو هذا العالم يا سيدنا؟
- رد عليه السيد: لا أستطيع أن اكشف اسمه إلا للشخص الذي يريد أن يذهب اليه

تسعة دراويش رفعوا أيديهم و انظم إليهم شمس فأصبح العدد عشرة

فأشار بابا زمان بيده و قال: هناك شيء آخر يجب أن تعرفوه قبل أن تتخذوا قراركم، إن الرحلة محفوفة بمشاق ومخاطر كبيرة ولا شيء مضمون يضمن عودة الشخص الذي سيذهب

أنزل الجميع أيديهم ما عدا شمس، فنظر بابا زمان إليه واضعا عينه في عينه، وعندما التقتا فهم شمس أن السيد يعرف منذ البداية أن شمس هو المتطوع الوحيد.

- قال السيد: شمس التبريزي، إني احترم إصرارك لكنك عضو مهم في طريقتنا، بالإضافة إلى أنك ضيفنا
- قال شمس: لا أرى كيف يمكن أن يكون ذلك مشكلة.

خلال ثلاثة شهور لم يكلم شمس أحدا، إلا أنه ظل متفائلا، وهنا تذكر قاعدة أخرى:

"مهما حدث في حياتك ومهما بدت الأشياء مزعجة ، فلا تدخل ربوع اليأس، وحتى لو ظلت جميع الأبواب موصدة، فإن الله سيفتح دربا جديدا لك، احمد ربك! فمن السهل عليك أن تحمد الله عندما يكون كل شيء على ما يرام فالصوفي لا يحمد الله على ما منحه إياه فحسب، بل بحمده أيضاً على كل ما حرمه منه."

في اجتماع آخر دعي إليه كل من سكن التكية من الدراويش قال السيد: "أرى أن شمس هو الدرويش الوحيد الذي تطوع ، لكنني سأنتظر الخريف حتى أتوصل إلى قرار"

فعرف شمس أن الانتظار أخف عليه من الاحتجاج الذي أبداه وامتعاضه من التأخير متسلحا بالصبر والتصميم الذي استمده من إحدى قواعده التي تقول :

"لا يعني الصبر أن تتحمل المصاعب سلباً، بل يعني أن تكون بعيد النظر بحيث تثق بالنتيجة النهائية التي ستتمخض عن أي عملية، ماذا يعني الصبر؟ إنه يعني أن تنظر إلى الشوكة و ترى الوردة، أن تنظر إلى الليل وترى الفجر، أما نفاد الصبر فيعني أن تكون قصير النظر ولا تتمكن من رؤية النتيجة. إن عشاق الله لا ينفد صبرهم مطلقا، لأنهم يعرفون أنه لكي يصبح الهلال بدرا، فهو يحتاج إلى وقت."

في الجلسة الاخيرة التي رأيت فيها سيد التكية مجتمعا معنا، لم يبعد نظره عن شمس ولم يتجاهله عندما رآه يرفع يده للمرة الثالثة وقال:

حسنا يا شمس، لا ريب في أنك الشخص الذي سينطلق في هذه الرحلة، إن شاء الله ستنطلق غداً صباحا

ابتسم بابا زمان لشمس كما يبتسم الأب لابنه الوحيد قبل أن يرسله إلى ساحة المعركة، وأخرج من عباءته رسالة مختومة
عندما فض شمس الختم قرأ اسم المدينة واسم العالم، سيذهب إلى قونية ويلتقي بعالم اسمه الرومي

الرومي :
حرف الراء القوي المشرق
حرف الواو المخملي
حرف الميم الجسور الواثق
حرف الياء الغامض الذي يجب حله

أخوكم
رياض الشيخ باقر

قواعد العشق الأربعون: الحلقة العاشرة


كاتب الرواية الصوفي عزيز والناقدة الامريكية إيلا

أمريكا ، مدينة نورثامبتون ٢٠٠٨ م

في حبكة مبدعة أتقنتها الأديبة إليف شافاق ترجعنا فيها إلى عصرنا الحالي بكل تعقيداته التي شكلتها المظاهر المدنية التي احاطتنا و توغلت واستبدت بنا ، كي يقوم عقلنا الباطن بعمل مقارنة تقصدتها الروائية وسعت إليها من خلال تشابك الأحداث ما بين عامي ١٢٤٤م  و ما بعده ، و ٢٠٠٨م.

أسئلة لم تجد الإجابة الشافية عليها، الاختلاف التام بين ما هو مادي وما هو روحي. فأين الاجابة على سؤال: "ما هي الأمور المشتركة التي تجمع ما بينهما؟"

هي في مدينة متحضرة وعزيز كالبدوي المرتحل، يجوب أرجاء الدنيا ويصور الحالات الانسانية وكلّ متاعه حقيبة على ظهره وناي من القصب. هو كالشلال الهادر ينطلق إلى أماكن تخاف إيلا أن تطأها. هي مثالية يتحلى بها ومع الناس يلبس قبعاتهم. أما هي فهي تعيش في روتين دقيق و تهتم بالطعام الصحي وإزالة بعضا من اللحم في الوجبات التي تهتم بإعدادها. ولها خياراتها السياسية عبر انتمائها للحزب الديموقراطي الامريكي ، غير متزمتة ليهوديتها إنما كانت تستمتع بين الحين والآخر ببعض الممارسات الدينية، فهي ترى أن الدين هو المشكلة الرئيسة التي تشغل العالم اليوم.

أما عزيز فقد كان ملحدا اعتنق الاسلام بعد كريم عبدالجبار وقبل كات ستيفينز، كما يقول، و منذ ذلك الحين أصبح يقتسم الخبز مع مئات من الصوفيين من مختلف البلدان والأديان، مسالما يرفض العنف وله آراء إنسانية قوية ويؤمن أن جميع الحروب الدينية هي في جوهرها مشكلة لغوية، فاللغة تخفي الحقيقة أكثر مما تكشفها، وفي عالم محفوف بالترجمات السيئة، يسيء الناس دائماً في فهمهم للآخر.

 كان عزيز يؤكّد لإيلا أنه "صوفي ، طفل اللحظة الراهنة"، وهي تتعجب من قوله فهي امرأة تفكر بالماضي كثيرا، و تفكر بالمستقبل أكثر، ولم تمسها "اللحظة الراهنة".

رجعت إيلا إلى رواية "الكفر الحلو" كي تضع اللمسات الأخيرة على تقريرها النهائي، ولم ترغب بذلك لأن هذا العمل منحها فرصة كي تنسحب من محيطها إلى عقلها.

لم يكن عزيز يعرف أنها تقرأ روايته وأنها مكلفة من الوكالة الأدبية بعمل تقرير عنها، كما أن الوكالة لا تعلم أنها تغازل المؤلف وليس هم فقط الذين لا يعلمون بل حتى أطفالها وزوجها الذي كان غارقا في مغامراته الجنسية المتعددة، وهذا ما أحاطها بمجموعة من الأكاذيب، و كان ترقّبها أن شيئا من وراء كل ذلك سيحدث، فقد تطورت العلاقة بينهما من الرسائل الإلكترونية إلى المحادثات الهاتفية شبه اليومية، وكان يرد على مكالماتها بقوله:

"دعي نفسك تنجرف مع التيار، دعي نفسك تتدفق مع التيار" لكن زحمة الحياة التي تحيطها من كل جانب لم يدع هذا التدفق مستقرا، ولم تعلم أن الفضاء الذي دخلت فيه عبر علاقة إنسانية سريعة هل سيتلاشى أم سيبقى وينمو.

راحت تراقب الأحداث من حولها ، البيت والأولاد والزوج المخادع، بصمت لتنكشف أمامها دون توتر ودون أي ضغوط، وبذلك ولدت عندها ذات أخرى من داخلها أكثر عقلانية وأكثر هدوءا.

"العنصر الخامس"
" تقبلي الفراغ "

هدأت نفسها مما جعل زوجها يلاحظ هذا التغير الكبير فيها فأخذ يرجع مبكرا إلى البيت مما جعلها تشك أنه لم يعد يرى نساء أخريات كما كان في الماضي، هذا الهدوء جعلها ترى عيوبهما و أخطاءهما التي تعرت أمام أعينها حيث كانت تتظاهر بالجهل أمام خيانات زوجها المتكررة، أما الآن فقد أظهرت أنها تعرف لكنها غير مهتمة بذلك.

أنهت إيلا قراءة "الكفر الحلو" وأخذت تضع اللمسات الأخيرة، واشترت نسخة من قصائد الرومي، حيث كانت تقرأ بعض القصائد كل ليلة قبل نومها. كل ذلك وهي لم تخبر عزيز، وعلى حين غرة بدأ شيء غريب يلوح في أفق علاقتها بكاتب الرواية، فهي لم ترى صورته في موقعه الالكتروني وهو لم يطلب صورتها ولا مرة، لذلك قامت بإرسال صورة لها تكشف عن منحنيات جسدها ، لم تكن الصورة هي الأجمل  بل كان فيها شيء روحي، أرسلتها و أخذت تنتظر، وكان الرد بان أرسل صورته.

رجل نحيف أنفه حاد شعره أسود طويل متموج يضع قرطا في إحدى أذنيه وقلادة، محاط بأطفال شعرهم أسود من إحدى بلدان الشرق الأقصى. لاح لها أنها تعرف الرجل أو أنه شبيه لشمس التبريزي، كأنما تعمد أن يكون على شاكلته، كما خلق الله البشر على صورته.

عجيب هذا الشبه بين رجلين بينهما ثمانمائة سنة، كيف وهو رجل إسكتلندي يحمل اسما شرقيا. هل هذا اسمه أم أنه اسم صوفي
لذلك أرسلت له رسالة تسأله فيها:
- هل انت شمس ام شمس هو انت؟
- قال لها:
"إن شمسا هو المسؤول عن تحويل الرومي من رجل دين محلي إلى شاعر وصوفي مشهور في العالم، فلو صادفنا شخصا مثل شمس، فمن أين لنا بالرومي"

أخوكم
رياض الشيخ باقر

الخميس، 2 أبريل 2015

قواعد العشق الأربعون: الحلقة التاسعة


طلب الرفيق

بغداد ، نيسان ( أبريل ) ١٢٤٢م

أوصلت القاضي إلى الباب وفوجئت أن بابا زمان والدرويش ( شمس) صامتين و تساءلت هل يمكن أن يتحدث اثنان دون أن ينبسا ببنت شفة؟ ذهبت لعملي المعتاد في مطبخ التكية فقابلني الطباخ بتجهمه المعتاد ناصحا إياي بعبارته المفضلة: "التنظيف صلاة، والصلاة تنظيف"

استرقت السمع و النظر من شقوق الباب:

- قال بابا زمان: أخبرني يا شمس، ما الذي أتى بك إلى بغداد؟ هل هو حلم راودك بالمكان؟
- ما جاء بي إلى بغداد ليس حلما بل رؤية فأنا لا ارى أحلاما
- لكن الجميع يرى أحلاما
- لكني لا ارى أحلاما، إن هذا جزء من عهد بيني و بين الله، عندما كبرت طلبت من الله أن يحرمني من رؤية الأحلام، وإنني أعرف كلما صادفته بأنني لا احلم. لقد أخذ الله قدرتي على الحلم وعوضني عن ذلك بأن منحني قدرة تفسير الأحلام ، فأنا مفسر أحلام.
أنا درويش أطوف البلاد منذ حوالي أربعين عاما، أقاتل حيوانا بريا لكن لا أستطيع إيذاء احد. أقرأ مثل كتاب مفتوح أنواع الناس الذين خلقهم الله على صورته.

تقول إحدى القواعد:

"يمكنك أن تدرس الله من خلال كل شيء وكل شخص في هذا الكون، لأن وجود الله لا ينحصر في المسجد أو في الكنيسة أو في الكنيس. لكنك إن كنت لا تزل تريد أن تعرف أين يقع عرشه بالتحديد، فهو يوجد في مكان واحد فقط تستطيع أن تبحث فيه عنه، وهو قلب عاشق حقيقي، فلم يعش أحد بعد رؤيته ولم يمت أحد بعد رؤيته ، فمن يجده يبقى معه إلى الأبد.

" لكن المعرفة أشبه بماء قليل الملوحة في قعر مزهرية قديمة، إذا لم يتدفق إلى مكان ما. ومنذ سنوات وأنا أطلب من الله أن يأتيني  برفيق أشاطره المعرفة التي جمعتها في داخلي."

- قال شمس موجها كلامه لسيد التكية بابا زمان: أني اعرف أنك تعرف اسم رفيقي 
- رد بابا زمان: حتى ذلك الحين يمكنك ان تمكث معنا ، فكن ضيفنا

انحنى شمس بتواضع وامتنان وقبل يد السيد، فبادره السيد قائلا:

قلت إنك مستعد لتقديم كل ما تعرفه إلى شخص آخر، تريد أن تقبض على الحقيقة في راحة يدك كما لو كانت لؤلؤة ثمينة وتقدمها إلى شخص معين، إلا أن فتح قلب شخص لكي يستقبل النور الروحي ليس بالمهمة اليسيرة على أي إنسان، إنك تسرق رعد الله.

استدار شمس و نظر نحو الباب وكأن نظراته تخترق الباب. لعله يمارس السحر الأسود أو انه تدرب على أيدي هاروت وماروت الملاكان  البابليان اللذان حذرنا القرآن منهما.

مضت تسعة أشهر على وجود شمس في تكية الدراويش، لديه فضول شديد لكل ما هو جديد وغير عادي، مراقبا دقيقا للطبيعة، تثيره نظرة إلى شبكة عنكبوت أو قطرات ندى متلئلئة ، لم يكن يراوغ فقد كان صدقه يثير حنق الآخرين. لا يضيع وقته في المجاملات، أما تلك التي يعتبرها الناس أولويات مثل الأمن والراحة والسعادة فلم تعني له الكثير.

كانت حاجته للخلوة عظيمة وكان سعيه للعثور على رفيق له أعظم.

 لم يفقد قط اهتمامه بالقراءة، يجب على المرء أن يشبع فكره ، لكنه يجب ان يحرص على ألا يفسده.

تقول احدى قواعده:

" يتكون الفكر والحب من مواد مختلفة، فالفكر يربط البشر في عقد، ولكن الحب يذيب جميع العقد. إن الفكر حذر على الدوام وهو يقول ناصحا: إحذر الكثير من النشوة. بينما الحب يقول: لا تكترث ! أقدم على هذه المجازفة. وفي حين أن الفكر لا يمكن أن يتلاشى بسهولة فإن الحب يتهدم بسهولة ويصبح ركاما من تلقاء نفسه. لكن الكنوز تتوارى بين الأنقاض، والقلب الكسير يخبىء كنوزا"

إن شمسا قليل الكلام ، فهو في ريب من الكلمات، تقول احدى قواعده:

"تنبع معظم مشاكل العالم من أخطاء لغوية ومن سوء فهم بسيط، لا تأخذ الكلمات بمعناها الظاهري مطلقا. وعندما تلج دائرة الحب تكون اللغة التي نعرفها قد عفا عليها الزمن فالشيء الذي لا يمكن التعبير عنه بكلمات لا يمكن إدراكه إلا بالصمت"

أخوكم
رياض الشيخ باقر