الخميس، 23 أبريل 2015

قواعد العشق الأربعون: الحلقة الرابعة عشرة


مدينة قونية ١٢٤٤ م

سكن شمس في خان تجار السكر. غرفة مفروشة بالحصير مع فانوس، واستغل الفرصة للتجول في المدينة التي تمتزج فيها الأديان والعادات واللغات. غجر يعزفون الموسيقى ومسافرون عرب وحجاج مسيحيون وتجار يهود وكهنة بوذيون وشعراء متجولون من الإفرنجة وفنانون فرس وبهلوانات صينيون وسحرة أفاعي هنود وسحرة زرادشتيون وفلاسفة يونانيون.

وفي سوق الجواري تتواجد محظيات ذوات بشرة بيضاء كالحليب، ومخصيون زنوج فقدوا القدرة على الكلام من شدة الأهوال، حلاقون يعملون الحجامة وبصارات يحملن كور بلورية وسحرة يبتلعون النار، حجاج لبيت المقدس وجنود هاربون من الحملات الصليبية، أشخاص يتكلمون اللغات الإيطالية والفرنسية والسكسونية واليونانية والفارسية والتركية و الكردية والأرمنية والعبرية، كان الجميع شيئا متشابها من النقص وعدم الاكتمال، وهو أن كل واحد منهم يشكل تحفة فنية غير مكتملة.

كانت المدينة أشبه ببرج بابل، تذكر شمس قاعدة وهو يراقب ذلك كله تقول :

"من السهل أن تحب إلها يتصف بالكمال والنقاء والعصمة ، لكن الأصعب من ذلك أن تحب إخوتك البشر بكل نقائصهم وعيوبهم، تذكر أن المرء لا يعرف إلا ما هو قادر على أن يحب، فلا حكمة من دون حب، وما لم نتعلم كيف نحب خلق الله، فلن نستطيع أن نحب حقاً ولن نعرف الله حقاً"

سار شمس في الشارع المعاكس للمسجد ، بيوت مهملة آيلة للسقوط ، تغيرت الروائح، توابل وثوم ثم فاحت له روائح العرق والعطر والشهوة، فعرف أنه وصل للشطر الفقير من المدينة، لاح له في آخر الشارع بيتا تجلس أمامه ثلة من النسوة، وبقربهن بستان مكسو بورود ملونة بجميع الألوان تنبعث منها اروع الروائح، ومع اقتراب شمس من النسوة، خرجت من البيت امرأة سمينة مزينة بالجواهر، كان لها شارب خفيف وسالفان وبعد أن تمعن فيها عرف أنها رجل وامرأة في آن معا، فقد ارتابت الخنثى من قدومه

- ماذا تريد..؟ لا مكان لك هنا.
- لم لا؟
- ألا ترى أن هذا المكان هو مبغى؟ ألم تقسموا يا معشر الدراويش بان تتحاشوا الرغبات الجنسية؟ انا أتصدق وأغلق أبوابي في شهر رمضان. هيا ابتعد ، هذا أقذر ركن في المدينة، أنا أريد أن أنقذك."
- إن القذارة تقبع في الداخل لا في الخارج هكذا تقول القاعدة، هذه إحدى القواعد تقول:

"إن القذارة الحقيقية تقبع في الداخل، أما القذارة الأخرى فهي تزول بغسلها، ويوجد نوع واحد من القذارة لا يمكن تطهيرها بالماء النقي وهو لوثة الكراهية والتعصب التي تلوث الروح نستطيع أن نطهر أجسامنا بالزهد والصيام و لكن الحب وحده هو الذي يطهر القلوب."

- لو تركتك تدخل المبغى لهدم الله هذا المكان على رؤوسنا ولعننا لأننا أغوينا مؤمناً، لن يحدث هذا حتى تنبت للضفادع لحى
- من أين تأتين بهذه الأفكار السخيفة؟ هل تظنين أن الله أب متقلب المزاج يراقبنا من السماء ويمطر فوق رؤوسنا أحجار وضفادع كلما ارتكبنا خطأ؟ لا تقلقي لست هنا لزيارة مبغاك بل لرؤية ورود الحديقة ، فمن يعتني بها؟
- فتاة تعمل لدي تدعى وردة الصحراء... فأومأت الخنثى الى فتاة شابة تجلس مع العاهرات
- إن تلك الفتاة طيبة، ستنطلق ذات يوم في رحلة روحية بحثا عن الله، إنها ستخرج من هذا المكان ولن تعود، فلا تمنعيها

نظرت الخنثى الى شمس بدهشة

- اخرج من هنا وإلا ناديت رأس الواوي
- سأغادر، لكني سأعود، فأنا لست واحدا من أولئك الأتقياء الذين يمضون حياتهم كلها وهم جاثمون على سجادة الصلاة، بينما يغلقون عيونهم و قلوبهم عن العالم الخارجي ولا يقرأون القرآن إلا قراءة سطحية، أما أنا فأقرأ القرآن من خلال الأزهار المتفتحة والطيور المهاجرة، إني أقرأ أنفاس القرآن التي تتخلل البشر. إنّ كل إنسان عبارة عن كتاب مفتوح وكل واحد منا قرآن متنقل، إن البحث عن الله متأصل في قلوب الجميع، سواء كان قديساَ او مومساَ، وهذا ما تقوله القاعدة:

"يقبع الكون كلّه داخل كل إنسان. في داخلك  كل شيء ترينه حولك بما في ذلك الأشياء التي قد لا تحبينها. حتى الأشخاص الذين تحتقرينهم أو تمقتينهم يقبعون في داخلك بدرجات متفاوتة، لذلك لا تبحثي عن الشيطان خارج نفسك، فالشيطان ليس قوة خارقة تهاجمك من الخارج، بل هو صوت ينبعث من داخلك، فإذا تعرفت على نفسك تماماً  واجهت بصدق وقسوة جانبك المظلم والمشرق، عندها تبلغين أرقى أشكال الوعي وعندما تعرفين نفسك، فإنك ستعرفين الله."

- درويش يعظ عاهرات، إني أحذرك


أخوكم
رياض الشيخ باقر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق