الخميس، 2 أبريل 2015

قواعد العشق الأربعون: الحلقة التاسعة


طلب الرفيق

بغداد ، نيسان ( أبريل ) ١٢٤٢م

أوصلت القاضي إلى الباب وفوجئت أن بابا زمان والدرويش ( شمس) صامتين و تساءلت هل يمكن أن يتحدث اثنان دون أن ينبسا ببنت شفة؟ ذهبت لعملي المعتاد في مطبخ التكية فقابلني الطباخ بتجهمه المعتاد ناصحا إياي بعبارته المفضلة: "التنظيف صلاة، والصلاة تنظيف"

استرقت السمع و النظر من شقوق الباب:

- قال بابا زمان: أخبرني يا شمس، ما الذي أتى بك إلى بغداد؟ هل هو حلم راودك بالمكان؟
- ما جاء بي إلى بغداد ليس حلما بل رؤية فأنا لا ارى أحلاما
- لكن الجميع يرى أحلاما
- لكني لا ارى أحلاما، إن هذا جزء من عهد بيني و بين الله، عندما كبرت طلبت من الله أن يحرمني من رؤية الأحلام، وإنني أعرف كلما صادفته بأنني لا احلم. لقد أخذ الله قدرتي على الحلم وعوضني عن ذلك بأن منحني قدرة تفسير الأحلام ، فأنا مفسر أحلام.
أنا درويش أطوف البلاد منذ حوالي أربعين عاما، أقاتل حيوانا بريا لكن لا أستطيع إيذاء احد. أقرأ مثل كتاب مفتوح أنواع الناس الذين خلقهم الله على صورته.

تقول إحدى القواعد:

"يمكنك أن تدرس الله من خلال كل شيء وكل شخص في هذا الكون، لأن وجود الله لا ينحصر في المسجد أو في الكنيسة أو في الكنيس. لكنك إن كنت لا تزل تريد أن تعرف أين يقع عرشه بالتحديد، فهو يوجد في مكان واحد فقط تستطيع أن تبحث فيه عنه، وهو قلب عاشق حقيقي، فلم يعش أحد بعد رؤيته ولم يمت أحد بعد رؤيته ، فمن يجده يبقى معه إلى الأبد.

" لكن المعرفة أشبه بماء قليل الملوحة في قعر مزهرية قديمة، إذا لم يتدفق إلى مكان ما. ومنذ سنوات وأنا أطلب من الله أن يأتيني  برفيق أشاطره المعرفة التي جمعتها في داخلي."

- قال شمس موجها كلامه لسيد التكية بابا زمان: أني اعرف أنك تعرف اسم رفيقي 
- رد بابا زمان: حتى ذلك الحين يمكنك ان تمكث معنا ، فكن ضيفنا

انحنى شمس بتواضع وامتنان وقبل يد السيد، فبادره السيد قائلا:

قلت إنك مستعد لتقديم كل ما تعرفه إلى شخص آخر، تريد أن تقبض على الحقيقة في راحة يدك كما لو كانت لؤلؤة ثمينة وتقدمها إلى شخص معين، إلا أن فتح قلب شخص لكي يستقبل النور الروحي ليس بالمهمة اليسيرة على أي إنسان، إنك تسرق رعد الله.

استدار شمس و نظر نحو الباب وكأن نظراته تخترق الباب. لعله يمارس السحر الأسود أو انه تدرب على أيدي هاروت وماروت الملاكان  البابليان اللذان حذرنا القرآن منهما.

مضت تسعة أشهر على وجود شمس في تكية الدراويش، لديه فضول شديد لكل ما هو جديد وغير عادي، مراقبا دقيقا للطبيعة، تثيره نظرة إلى شبكة عنكبوت أو قطرات ندى متلئلئة ، لم يكن يراوغ فقد كان صدقه يثير حنق الآخرين. لا يضيع وقته في المجاملات، أما تلك التي يعتبرها الناس أولويات مثل الأمن والراحة والسعادة فلم تعني له الكثير.

كانت حاجته للخلوة عظيمة وكان سعيه للعثور على رفيق له أعظم.

 لم يفقد قط اهتمامه بالقراءة، يجب على المرء أن يشبع فكره ، لكنه يجب ان يحرص على ألا يفسده.

تقول احدى قواعده:

" يتكون الفكر والحب من مواد مختلفة، فالفكر يربط البشر في عقد، ولكن الحب يذيب جميع العقد. إن الفكر حذر على الدوام وهو يقول ناصحا: إحذر الكثير من النشوة. بينما الحب يقول: لا تكترث ! أقدم على هذه المجازفة. وفي حين أن الفكر لا يمكن أن يتلاشى بسهولة فإن الحب يتهدم بسهولة ويصبح ركاما من تلقاء نفسه. لكن الكنوز تتوارى بين الأنقاض، والقلب الكسير يخبىء كنوزا"

إن شمسا قليل الكلام ، فهو في ريب من الكلمات، تقول احدى قواعده:

"تنبع معظم مشاكل العالم من أخطاء لغوية ومن سوء فهم بسيط، لا تأخذ الكلمات بمعناها الظاهري مطلقا. وعندما تلج دائرة الحب تكون اللغة التي نعرفها قد عفا عليها الزمن فالشيء الذي لا يمكن التعبير عنه بكلمات لا يمكن إدراكه إلا بالصمت"

أخوكم
رياض الشيخ باقر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق