الثلاثاء، 21 أبريل 2015

قواعد العشق الأربعون: الحلقة العاشرة


كاتب الرواية الصوفي عزيز والناقدة الامريكية إيلا

أمريكا ، مدينة نورثامبتون ٢٠٠٨ م

في حبكة مبدعة أتقنتها الأديبة إليف شافاق ترجعنا فيها إلى عصرنا الحالي بكل تعقيداته التي شكلتها المظاهر المدنية التي احاطتنا و توغلت واستبدت بنا ، كي يقوم عقلنا الباطن بعمل مقارنة تقصدتها الروائية وسعت إليها من خلال تشابك الأحداث ما بين عامي ١٢٤٤م  و ما بعده ، و ٢٠٠٨م.

أسئلة لم تجد الإجابة الشافية عليها، الاختلاف التام بين ما هو مادي وما هو روحي. فأين الاجابة على سؤال: "ما هي الأمور المشتركة التي تجمع ما بينهما؟"

هي في مدينة متحضرة وعزيز كالبدوي المرتحل، يجوب أرجاء الدنيا ويصور الحالات الانسانية وكلّ متاعه حقيبة على ظهره وناي من القصب. هو كالشلال الهادر ينطلق إلى أماكن تخاف إيلا أن تطأها. هي مثالية يتحلى بها ومع الناس يلبس قبعاتهم. أما هي فهي تعيش في روتين دقيق و تهتم بالطعام الصحي وإزالة بعضا من اللحم في الوجبات التي تهتم بإعدادها. ولها خياراتها السياسية عبر انتمائها للحزب الديموقراطي الامريكي ، غير متزمتة ليهوديتها إنما كانت تستمتع بين الحين والآخر ببعض الممارسات الدينية، فهي ترى أن الدين هو المشكلة الرئيسة التي تشغل العالم اليوم.

أما عزيز فقد كان ملحدا اعتنق الاسلام بعد كريم عبدالجبار وقبل كات ستيفينز، كما يقول، و منذ ذلك الحين أصبح يقتسم الخبز مع مئات من الصوفيين من مختلف البلدان والأديان، مسالما يرفض العنف وله آراء إنسانية قوية ويؤمن أن جميع الحروب الدينية هي في جوهرها مشكلة لغوية، فاللغة تخفي الحقيقة أكثر مما تكشفها، وفي عالم محفوف بالترجمات السيئة، يسيء الناس دائماً في فهمهم للآخر.

 كان عزيز يؤكّد لإيلا أنه "صوفي ، طفل اللحظة الراهنة"، وهي تتعجب من قوله فهي امرأة تفكر بالماضي كثيرا، و تفكر بالمستقبل أكثر، ولم تمسها "اللحظة الراهنة".

رجعت إيلا إلى رواية "الكفر الحلو" كي تضع اللمسات الأخيرة على تقريرها النهائي، ولم ترغب بذلك لأن هذا العمل منحها فرصة كي تنسحب من محيطها إلى عقلها.

لم يكن عزيز يعرف أنها تقرأ روايته وأنها مكلفة من الوكالة الأدبية بعمل تقرير عنها، كما أن الوكالة لا تعلم أنها تغازل المؤلف وليس هم فقط الذين لا يعلمون بل حتى أطفالها وزوجها الذي كان غارقا في مغامراته الجنسية المتعددة، وهذا ما أحاطها بمجموعة من الأكاذيب، و كان ترقّبها أن شيئا من وراء كل ذلك سيحدث، فقد تطورت العلاقة بينهما من الرسائل الإلكترونية إلى المحادثات الهاتفية شبه اليومية، وكان يرد على مكالماتها بقوله:

"دعي نفسك تنجرف مع التيار، دعي نفسك تتدفق مع التيار" لكن زحمة الحياة التي تحيطها من كل جانب لم يدع هذا التدفق مستقرا، ولم تعلم أن الفضاء الذي دخلت فيه عبر علاقة إنسانية سريعة هل سيتلاشى أم سيبقى وينمو.

راحت تراقب الأحداث من حولها ، البيت والأولاد والزوج المخادع، بصمت لتنكشف أمامها دون توتر ودون أي ضغوط، وبذلك ولدت عندها ذات أخرى من داخلها أكثر عقلانية وأكثر هدوءا.

"العنصر الخامس"
" تقبلي الفراغ "

هدأت نفسها مما جعل زوجها يلاحظ هذا التغير الكبير فيها فأخذ يرجع مبكرا إلى البيت مما جعلها تشك أنه لم يعد يرى نساء أخريات كما كان في الماضي، هذا الهدوء جعلها ترى عيوبهما و أخطاءهما التي تعرت أمام أعينها حيث كانت تتظاهر بالجهل أمام خيانات زوجها المتكررة، أما الآن فقد أظهرت أنها تعرف لكنها غير مهتمة بذلك.

أنهت إيلا قراءة "الكفر الحلو" وأخذت تضع اللمسات الأخيرة، واشترت نسخة من قصائد الرومي، حيث كانت تقرأ بعض القصائد كل ليلة قبل نومها. كل ذلك وهي لم تخبر عزيز، وعلى حين غرة بدأ شيء غريب يلوح في أفق علاقتها بكاتب الرواية، فهي لم ترى صورته في موقعه الالكتروني وهو لم يطلب صورتها ولا مرة، لذلك قامت بإرسال صورة لها تكشف عن منحنيات جسدها ، لم تكن الصورة هي الأجمل  بل كان فيها شيء روحي، أرسلتها و أخذت تنتظر، وكان الرد بان أرسل صورته.

رجل نحيف أنفه حاد شعره أسود طويل متموج يضع قرطا في إحدى أذنيه وقلادة، محاط بأطفال شعرهم أسود من إحدى بلدان الشرق الأقصى. لاح لها أنها تعرف الرجل أو أنه شبيه لشمس التبريزي، كأنما تعمد أن يكون على شاكلته، كما خلق الله البشر على صورته.

عجيب هذا الشبه بين رجلين بينهما ثمانمائة سنة، كيف وهو رجل إسكتلندي يحمل اسما شرقيا. هل هذا اسمه أم أنه اسم صوفي
لذلك أرسلت له رسالة تسأله فيها:
- هل انت شمس ام شمس هو انت؟
- قال لها:
"إن شمسا هو المسؤول عن تحويل الرومي من رجل دين محلي إلى شاعر وصوفي مشهور في العالم، فلو صادفنا شخصا مثل شمس، فمن أين لنا بالرومي"

أخوكم
رياض الشيخ باقر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق