مدينة قونية ١٢٤٤ م
غمر ابن الرومي شعوراً أنه وشمس التبريزي الوحيدين الباقيين على وجه الأرض التي انبسطت لهما الأطوار السبعة التي على طلاب الحقيقة أن يسلكوها، أو سمّها المقامات السبعة كي تبلغ روح الطالب مقام الوحدانية وهي:
١- الطور الأول: النفس الأمارة بالسوء، وهو أشد الأطوار بدائية حيث تقع فيه الروح في شرك المطامع الدنيوية
٢- الطور الثاني: جهاد النفس حتى تصل لمقام النفس اللوامة، بداية الرحلة نحو النقاء الداخلي
٣- الطور الثالث: النفس الملهمة، معرفة المعنى الحقيقي لكلمة "الخضوع"
٤- الطور الرابع: النفس المطمئنة ، الدخول في وادي الحكمة وتتملك النفس صفات الكرم والرضا والعرفان
٥- النفس الراضية: الإنتقال إلى وادي الوحدة ، فتشعر النفس بالرضا المطلق
٦- النفس المرضية: يصبح المرء مشكاة للإنسانية، يعلم النور
٧- النفس النقية: حيث يصبح المرء هو "الإنسان الكامل"
يسهل تلخيص أطوار بلوغ الطريق ويصعب اجتيازها، فاحتمال السقوط من طور إلى طور والرجوع إلى القهقرى دائم، فالطريق ليس مستقيما والأفخاخ منصوبة على جانبيه.
كان شمس يريد أن يعرف مدى استعداد ابن الرومي للمضي في محو شخصيته كي يذوب في الله.
- ماذا عنك أيها الخطيب العظيم: فمن بين الأطوار السبعة، في أي طور أنت الآن؟ وهل تظن أن لديك الشجاعة للمضي حتى النهاية؟ قل لي ما هو حجم كوبك؟
- باطن الله، يا وجه الله المخفي، افتح لي عقلي حتى يمكنني أن أرى الحقيقة
كان الناس كثيرا ما يثرثرون حول زوجة ابن الرومي المسيحية "كيرا"، هل ستعتنق الإسلام؟ وإن اعتنقته فهل ستصبح واحدة منهم؟ هل على عالم مرموق أن يقترن بامرأة لا تنتمي لدينه؟ في نفس الوقت كانت كيرا تتسائل:
إن الأناضول مزيج من الأديان والشعوب يتناولون نفس الطعام ويغنون نفس الأغاني ويؤمنون بنفس الخرافات. أطفال مسلمون ترضعهم أمهات مسيحيات، لم لا يكونوا قادرين على العيش معا؟ كلمات يؤدونها لا أفهمها ويصعب استيعابها. العلماء المسلمون ينتقدون الدين المسيحي لأنه يؤمن بالثالوث المقدس، والقساوسة المسيحيين ينتقدون المسلمين لأنهم يعتبرون القران كتاب كامل ، لا يصعب علي تصديق فكرة أن المسيح ليس ابن الله بل عبده. آه لقد ازدادت وحدتي منذ أن سكن شمس في بيتنا، فقد تحول زوجي إلى رجل مختلف.
وتمر أوقاتا أرغب فيها بالتمرد لأنني خلقت امرأة، فلا أحد يعطي النساء كتبا حتى لا تفتح عيونهن. كنت أتسلل فأجلس وسط الكتب وأتساءل ما هي الألغاز التي تخفيها في داخلها. دخلت المكتبة يوما ورحت اقرأ كتاب "إحياء علوم الدين" للغزالي. فقال لي زوجي عندما رآني ماذا تفعلين؟ لا تلمسي كتبي مرة أخرى، بل أفضل أن لا تدخلي مكتبتي على الإطلاق.
في أحد الأيام مر ناسك بقرية من قرى جبال طوروس، فأصابه التعب فقام أحد مزارعي القرية باستضافته. وبينما كان يروي قصة، سمعتها ابنة المزارع فاغمي عليها.
- إن ابنتك "كيمياء" طفلة موهوبة، يجب أن ترسلها إلى المدرسة
- ما الفائدة إذا تعلمت الفتاة
- يجب أن تبقى بجانبي وتساعدني في حياكة السجاد حتى تتزوج، فهي حائكة رائعة... قالت زوجة المزارع
- قد تصبح عالمة معروفة ذات يوم، إن الله لا يكره ابنتك لأنها فتاة
- ان البنات لا يحتجن إلى كتب، بل يحتجن إلى تعلم الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال
اقتنع المزارع بقول الناسك وأخذ ابنته إلى قونية حيث يوجد بها عالم مشهور يقال له ابن الرومي
- يشرفني يا مولاي أن أدرس القرآن على يديك، وأنا مستعدة للإجتهاد في الدراسة
- هذا رائع ، لكنك فتاة
هكذا وصلت إلى بيت الرومي، أمضيت ثمان سنوات سعيدة حتى مجيء شمس التبريزي الذي غير وجوده كل شيء
أخوكم
رياض الشيخ باقر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق