الأحد، 2 نوفمبر 2014

الشيخ إسماعيل المشاجرة: الذكاء العاطفي -مأتم النمر، الليلة الثامنة من المحرم، موسم 1436هـ


بعد أن عرج الشيخ إسماعيل المشاجرة إلى مصاب كربلاء وذكر بطل من أبطالها الشباب علي الأكبر بن الإمام الحسين سلام الله عليهما، استهل محاضرته بحديث للإمام زين العابدين سلام الله عليه "ما تجرعت جرعة أحب إلي من جرعة حلم عند الغضب".
ومن الجدليات التي تثار عند الكتاب و المفكرين هي جدلية: ماذا ينتظر الناس من الدين؟

==مقدمة واستفتاح==
وتسائل الشيخ، بما أن الناس تنتظر من الدين أن يضع بين أيديهم مجموعة من القوانين التي تمضي بهم نحو السعادة، وتقدم لهم أطروحة وفلسفة عامة للحياة ونظرة شمولية لها لتتعمق رابطتهم مع الله وعلاقتهم به بما عرفوه من  أنبيائه وأوليائه، فما هي طبيعة هذه العلوم والمعارف التي يأخذ الشارع المقدس على نفسه أن يقدمها؟

وهل وظيفة الدين هي الإتيان بالمعارف الطبيعية الدنوية؟ كمعرفة علوم الفلك والفيزياء والكيمياء، من أجل تكامل البشرية وطموحها لهذه المعارف؟ وقد خلص الشيخ إلى أن الدين ليس مسؤولاً عن الإتيان بمثل هذه المعارف، رغم أنه أشار إليها بإشارات عميقة متفرقة في النص القرآني. إلا أنه لا يقدّم بديلاً عن جهد الإنسان للوصول إليها.

لا شك أن الدين قدم نوع آخر من العلوم والمعارف على النوع السابق. فهو لم يهمل العلوم الاجتماعية والاقتصادية، لما لها من مساس مباشر في بناء القادة. وهو كذلك يقدم الرؤى والمعارف العقائدية، الدالة على توحيد الله وتوحيد ربوبيته ويؤكد على عقيدة العدل والمعاد. ويقدم للإنسان النظام الذي من خلاله يتواصل مع الله. وهذه العلوم، لا شك أنها تُممت بالمعارف السلوكية والتربوية والأخلاقية التي تصدى لها الدين الاسلامي لأهميتها و خطورتها على تابعيه.

وأشار الشيخ إلى أن النبي والأئمة سلام الله عليهم أجمعين لم يبخلوا على الناس في حال مبادرتهم بالسؤال، بأن يعلمونهم ويدلونهم على مفاتيح العلوم من خلال الأسرار التي أطلعهم الله عليها.

وبالعودة إلى حديث الإمام زين العابدين عليه السلام، فإن مناسبة الاستشهاد بهذا الحديث هو ما لأهمية العملية التربوية التي أولاها الدين اهتماماً خاصاً. ومن باب المعارف التربوية تناول الشيخ بحث مهم جداً هو الذكاء العاطفي. وذكر أن هذا البحث يتمحور حول ثلاثة محاور هي:
- تعريف الذكاء العاطفي ونشأته
- مقوماته وتطبيقاته
-تطوراته

==المحور الأول==
===معناه===
يعرف بتعريفات متعدد أهمها الذكاء باستعمال العاطفة. وتعريف آخر هو فرز العواطف و توظيفها توظيفا صحيحا للوصول الى أهداف معينة.

===نشأته===
نشأ في تسعينيات القرن الماضي وهو الرأي الغالب. ومنهم من قال أنه نشأ مع تنظيرات دارون النفسية وغيرهم من علماء النفس والاجتماع في بداية القرن العشرين. وهناك من أرجعه إلى جذور موغلة في القدم من عصر أرسطو حيث أشار إلى خصائص الذكاء العاطفي في فلسفته وخطبه، ومن أبرزها قوله "يقول من السهل على الانسان ان يغضب لكن من الصعب ان يتحكم في غضبه" وهو رأي غير مشهور. والأولى الأخذ بمقولة الامام علي: "الغضب أوله جنون و اخره ندم".

==المحور الثاني==
===مقوماته ومستوياته===
١-أن يصبح الإنسان مدرك لعواطفه ويشعر بها ويلتقطها و يتفاعل معها ويكون واعياً لوقوعه فيها، مقتدراً على الإمساك بجماحها.

٢- أن يمسك بانفعالاته وأن تكون عنده القدرة على التحكم بها وتوجيها و تسييرها لما فيه الصالح العام (نحو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). قال صلى الله عليه وآله: "أعظم الملوك من ملك غضبه"

٣- النجاح في توظيف هذه العاطفة و توجيهها الاتجاه المناسب و توظيفها التوظيف المناسب بما يعود بالفائدة عليه وعلى غيره.

٤- أن يصبح عند الانسان القدرة على الإحساس  بمشاعر الآخرين ويتحسس مشاعرهم.

٥- توظيف عواطف الآخرين في خدمة قضايا أكبر من الفرد. كخدمة المجتمع والمشاريع الخاصة والعامة.

===مثال نموذجي من التراث===
يذكر أنه في عهد هارون العباسي طلبت زوجته زبيدة أن يكون لها إدارة القصر. فدخل عليهم صياد يحمل سمكة كبيرة أعجب بها هارون. فسأله لمن هي. فاغتنم الصياد الذكي هذه الفرصة بعد أن قرأ على وجه هارون علامات طلب السمكة وقال: هي للأمير. فاستحسن هارون منه ذلك وأمر له بـ ٤٠٠٠ درهم.
فغضبت زبيدة لهذا الفعل بعد أن أقر لها هارون التصرف بشؤون القصر وحاجّته على ذلك، فأبى هارون، ذلك أنّ ردّ الهبة ليست من شيم الملوك. فأشارت له بحيلة يحتالها على الصياد، يرد بها النقود. فأوحت له أن: إسأل الصياد ما هو جنس السمكة؟ فإن قال ذكر فقل له: أنا لا أحب غير إناث السمك؟ وإن قال العكس فقل العكس. فأمر بالصياد وقال له ذلك. إلا أن الصياد بذكاءه العاطفي وقدرته على تنبؤ غاية هارون رد عليه بأن السمكة لا هذا ولا ذاك، هي خنثى. فاستحسن هارون رده وأمر له بـ 4000 أخرى.
فاستشاطت زبيدة غضباً ولاحظت أن الصياد أسقط من يده درهماً فما أبى أن ينحني له ويلتقطه. فرأت زبيدة في ذلك فرصةً لتعيير الصياد بالجشع وردّ الهبتين.
فما كان من الصياد إلا أن ردّ بأن هذا الدرهم يحمل نقش اسم الخليفة فانحنى ليلتقط الدرهم حفظاً لمقام اسم الخليفة أن يداس تحت الأحذية. فسرت أسارير هارون وأعجب بفطنة الصياد وأمر له بـ4000 أخرى.

===أهم تطبيقاته===
أشار الشيخ إلى أن تطبيقات الذكاء العاطفي كثيرة وهي خصلة من خصال القادة العظام. إلا أن أهم تطبيقاته هي ما يلي:
١- بناء الحياة الزوجية: استثمار الذكاء العاطفي في بناء العلاقة الزوجية الصلبة. وتكمن أهمية هذا التطبيق في ارتفاع نسب الطلاق في البلاد حتى قاربت 40٪ من حالات الزواج. ونصف حالات الطلاق أسبابه تعود للغباء العاطفي. ويجب أن تستغل فترة بداية الحياة الزوجية التي تتميز بالتهاب العواطف بين الطرفين، للاتفاق وأخذ الوعود المتبادلة للتعاون على مستقبل الأيام وما تحمله من تحديات لحفظ الزواج، لا سيما بعد برود العاطفة. والعاطفة بجميع أنواعها من طبعها أنها فوارة ثم تخفت.

2- حل الخلافات الزوجية والأخوية: تبادل اللوم بين المتحابين في حال الاختلاف لا يعتبر من الذكاء العاطفي. والأجدر للشخص أن يعذر الطرف الآخر ويلقي باللائمة على نفسه مبادرةً  وتواضعاً. ونتيجة ذلك تلقائياً هي أن يعذره الطرف الآخر ويرجع بالسبب لنفسه أيضاً. فتحل المشكلة من حيث بدأت ويعود المتحابين لألفتهم. والوظيفة المهمة هنا هي تحويل عاطفة الحب إلى مبادئ أخلاقية عبر تحويل الحب الى مودة ورحمة.

٣- ظاهرة النقد المفرط: وهنا أشار الشيخ إلى مرض عند بعض الأشخاص الذين لا يتحملون رؤية عمل العاملين إلا بأن يكيلوا عليهم مكاييل النقد اللاذع. ومن مقتضيات هذا المرض أن هؤلاء الأشخاص لا يرون إلا العيب. والحق أنهم مصابون بمرض التفرد، بتركيزهم على سلبيات الغير وكأنهم وحدهم الذين يخلون من العيوب.
وهذه ليست دعوة إلى إلغاء النقد بين الناس مع ما فيه من فوائد. إلا أن الذكاء العاطفي يقتضي أن يمرر المرء نقده بحساسية وذكاء، بما يسمى بتمرير النقد بين ثنائين. وفيه يتم ذكر مجموعتين من الإيجابيات و الثناءات والحسنات ثم يأتي على ذكر النقد المبطن بين طرفي الثناء. وبذلك يجد المنتقد نفسه يقبل بالنقد عن طيب نفس لما تقدّمه وتبعه من ثناء.

==المحور الثالث==
===تطوير الذكاء العاطفي===
يقول الشيخ أن بإمكاننا  تطوير الذكاء العاطفي من خلال إسقاطها على القضايا التاريخية ومن أبرزها دراسة تاريخ فرقة الإمامية الشيعية وسيرة عظمائها. فمن خلال سير الأئمة تبرز تعاليمهم وخصائصهم في حفظ وجود هذه الفرقة و كيانها و تحقيق أهدافها الكبرى. ومن أهم التعاليم التي تصنف بالذكاء العاطفي هي:
١- التقية التي أكد عليه أئمة أهل البيت للتحكم في عواطفهم، وخصوصاً إذا كان الغير لا يبدي الاستعداد لكبح عاطفة الكره نحوهم بمصادرة وجودهم. فالتقية من أبرز عوامل السلم الاجتماعي في المجتمع المتشدد الرافض للمتقي.
٢- بيان ظلامة أهل البيت هو توظيف عاطفي. وهذا التوظيف يجب أن يكون متوازن حسب ما وجهنا إليه الأئمة. فالإمام الصادق كما كان يؤكد على مظلومية الامام الحسين فهو أكد على مبادئه، سلام الله عليهما.

والسؤال الجوهري هو هل يستخدم شيعة اليوم الذكاء العاطفي المتوازن في طرحهم، كما كان الإمام الحسين يوم العاشر من المحرم مع أصحابه وأعدائه؟

لحضور المحاضرة كاملةً على اليوتيوب:
 http://youtu.be/IN5J92kx3CU?t=9m9s


مع تحيات معدَّيه،

تلخيص وإعداد: رياض الشيخ باقر،
كتابة وتحرير: المختار الشيخ موسى،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق