الأحد، 18 مايو 2014

المسلّمة المقدسة وفهمها الفهم الصحيح


لدى الحديث حول المسلمة المقدسة لدينا، وبالخصوص في موضوع المعجزات التي يطول الشرح في تفنيدها، وهو أمر صعب مستصعب. والقصد من طرح المسلمة المقدسة هو التفكر و التأمل فيها وفي مسببات أحداثها وليس الإيمان بما تقول او اتهام الاخر بما قد يدليه عنها، فنحن -من أنكر التسليم للمقدس- هم الذين يقعون في موقع الاتهام لأننا أنكرنا بعض مسلمات التراث الذي أضيف عليها القداسة.

كما أود أن أتطرق إلى مفهوم المعنى الظاهر وما يستفاد من المدلول الظاهري لكلمات الآيات الكريمة مقابل المعنى الباطن المكنون في الآيات أو ما اصطلح عليه بالتأويل أو العرفان الفلسفي.

وهذا يجرنا إلى بحوث جليلة و مهمة مثل البحث في عالم الملكوت و عوالمه غير الحسية ( الما ورائية) أو ما اصطلح عليه بعالم الخيال تارة و عالم العقول تارة أخرى، وما بينهما من عوالم بينها و بين العالم المادي، عالم الدنيا برازخ فعالمنا ( عالم الطبيعة ) هو عالم حسي وشهودي ، والقارئ الفاضل قد يكون ممن هم أعرف بهذا المحيط.

هذه المقدمة مفتاح لمعرفة الوحي أي معرفة الرسول و الرسالة فهي مرسلة من عالم الملكوت إلى عالم الناسوت، معانٍ و مفاهيم. وقد عبّر العلماء عنها بالبطون المتراكمة كالموج يركب بعضه بعضا، بلغة حسية اختيرت فيها اللغة العربية لما لها من صيغ جمالية بيانية و مجازات تستوعب هذه البطون من المعاني التي لا يستوعبها إلا قلب رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه و اله و سلم. ففي القرآن "فيه تبيان لكل شيء" و "اليوم أكملت لكم دينكم" فالإيمان بالقرآن لا يتجزأ ظاهره عن باطنه ، و يتحقق الإسلام بالإيمان بظاهر الآيات رحمة من الله و تخفيفاً على العباد، وهذا التصديق بظاهر معنى الآيات لا يعني تجزئة معانيه وفصل الآيات عن بعضها، وإلا ما نقول في قوله "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" هنا تقول الآية "وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون" و قوله "ان الله يأمر بالعدل والقسط" الآية وغيرها من الآيات التي تعتبر في مجموعاتها وحدات معانٍ و مفاهيم، وإلا جاز لنا أن نجسد الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيراً فقد يقول القائل:
يسمع > له آذان
يرى > له أعين
قال > له ملكة و جهاز الكلام

بل ذهب الوهابية بأن الله له مقعد حيث له كرسي و له يد فقالوا بما قالته الإسرائيليات أن الله على شكل فتى أمرد.

أما عن إعجاز الانبياء، عزيزي القارئ فلأضرب لجنابك الكريم ثلاثة أمثلة جوهرية يتكرر ذكرها في كتاب الله العزيز سوف استعرضها على عجالة كي لا أطيل وذلك حسب تسلسلها الزمني :

 أولا :- الني نوح عليه السلام:

عندما نقول ان نوح عليه السلام:
- قومه لم يطيعوه
- دعى على قومه
- ظل يصنع السفينة
- عاقبهم الله فأرسل عليهم الطوفان فأماتهم جميعا
- عاش الف سنة
هذا ما جاءت به أسفار التوراة

فذلك يعني قولنا ضمنياً بأن:

- صنع الله في البشر غير كامل
- نبي الله نوح فشل في دعوته
- الله جل وعلا انفعالي و انتقامي
- الله المنتقم أفنى البشرية كلها لعدم سماعهم لرسولهً ولم يعطهم فرصة ثانية فأين الله الذي وصف نفسه بانه رحمان رحيم
- هذا يعني أن نوح ارسل نقمة ولم يرسل رحمة
- الله من على نوح بطول العمر ولم يمنن على أفضل خلقه محمد ص بذلك، فهذه ميزة تفضيلية عليه

ثانيا :- فيما يخص موسى عليه السلام

- العصا تحولت الى أفعى و أرهبت القوم
- العصا أكلت حبال ( الأفاعي ) القوم
- العصا ضربت الحجر فانفلقت أعين الماء
- العصا  شقت البحر فانفلق كالطود

لقد شرحت أسفار اليهود ذلك بالتفصيل الذي لا يرجى بعده تأويل خلاف القران الكريم، الذي جعل من الباب مفتوحا للتدبر و التفكر.

ومن التفكر ما يقال عن حاجة موسى بأن يفلق البحر وهو وشعبه يسكن شمال مصر ( منطقة الدلتا) وقصده الارض المقدسة فلسطين (كذبة توراتية) و الكل يعلم أن ما بين خليج السويس (كان يسمى قديما بحر العرب) والبحر المتوسط برية شاسعة هي صحراء سيناء وليس بحراً، حيث ان قناة السويس لم تحفر الا في نهاية القرن التاسع عشر، اي ان طريق البرية اقرب و اقصر له للوصول الى سيناء والقرآن الكريم يؤكد ان العبور هو للبحر فيما يلي مصر كي لا يقال أن العبور كان في اليم أو النهر.

القرآن الكريم يقول "مجمع البحرين" و العبور من خليج السويس بحر واحد ولا يجوز ان يطلق عليه بحرين.

ان الاستخدام المتكرر للعصا من قبل موسى حسب رؤيتنا لها أنها عصا من الخشب المتعارف عليه ينسب العجز الكلي لموسى وعدم قدرته على التصدي للمهام الموكلة إليه، بل هو يقف موقف العاجز إلى أن يأمره الله باستخدام العصا.

إن ذلك يدعو للقول بأن من قام بالمهمة هي العصا و ليس موسى، أي أن اختياره من قبل الله للرسالة محل شك و حيرة.

ثالثا :- عيسى عليه السلام

- بدون اب
- تكلم في المهد
- أحيا الموتى
- خلق الطير من الطين

 اذا قلنا بظاهر الآيات الواردة في المزايا الخاصة بعيسى فإننا ننسب حالة ملكوتية إلهية لعيسى فكل ما أوردت هي من خاصية أفعال الله وصفاته فلا فرق في هذه الحالة بين رؤيتنا لعيسى و رؤية المسيحية التي جعلته ابن الله ، فالقصد واحد وان اختلفت المسميات.

كما أن هذه الامتيازات الممنوحة لعيسى ( بإذن الله كما يحلو للبعض ) هي امتيازات تفوق ما لحبيبنا المصطفى محمد ص وهذا خلاف العقل و الإيمان، من هنا لابد من تأويل كل ذلك حيث أشار القرآن الكريم أن الاعجاز الكامن في عيسى هو في الكلمة التي ألقاها على مريم حيث قال القران "ان مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب فقال له كن فيكون" وتمثيل القرآن بين آدم و بين عيسى القصد منه الخلق الاول الذي غاب عن أذهان البشر حيث لم يتكرر خلاف الظواهر الكونية الاخرى التي تكررت كظاهرة الليل و النهار ولكن كون مريم عليها السلام من عالم الناسوت الجاري على السنن تلزم ان تتمثل الكلمة ( الروح ) بشرا و سويا وهذا ما أخاف مريم وقالت بعدم مسها من قبل احد من البشر ، ولكن الإصرار على نموذج ادم كي لا تنسى البشرية ذلك حمل مريم عبء الشبهة ، و انشغلنا بما لعيسى من خوارق (إلهية).

إن التفسير الظاهري للقران الكريم لا يكتمل الا بفهم المنظومة الفكرية للقران و معرفة السنن الكونية و معرفة طبيعة الوحي الذي هو طبع في القلب عند تجرد الروح من عالم الناسوت و تعلقها بعالم الملكوت في رحلة تدرجها و معراجعها لهذا العالم.

إن ما يسوقه البعض من دلالاتٍ لظاهر "ظاهرة" الإعجاز المادي للبشر مهما علت مكانتهم الروحية و "الملكوتية" طالما هم في عالم الناسوت كما وصفهم القرآن الكريم بأنهم عباد مكرمون وعباد صالحون أي أن السنن جارية عليهم كما تجري على بقية الخلق "إنك ميت وإنهم ميتون" ، "أفإن مت أفهم الخالدون". ولا ينسب التمييز من الله بين عباده بعد أن قال "يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه". هذا كله منفي، فالله الرحمن الرحيم ما ارسل الرسل إلا رحمة و محبة لعباده و هو متسبب في رحمتهم لا في عذابهم و هو أعلم حيث يضع رسالته و نوح وموسى من أولي العزم الذين امتدحهم الله في مواضع كثيرة لصبرهم و مثابرتهم ورأفتهم بقومهم ، كما أكد القران مرارا على بشرية الأنبياء و الرسل و معايشتهم لقومهم و قيامهم بأعمال الفرد البشري العادي كي يقتدى بهم ليكونوا أسوة حسنة ، و استدلال القرآن بهم كي يكونوا عبرة و أسوة لنا في فهم جهاد وصبر رسول الله الذي بذله في تبليغ كلمة الله و كتمه ولم يخبر به قربة لله.

 لكم شكري في صبرهم
تحية خالصة من القلب

رياض الشيخ باقر

18/05/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق