الثلاثاء، 17 مارس 2015

العلامة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 محمد بن احمد بن عبدالله الطائي الحاتمي  الأندلسي المكي الدمشقي ( ٥٦٠هـ /١١٦٥م ٦٣٨هـ / ١٢٤٠م )

يقول ابن العربي عن العلوم التي اكتسبها: 

" خصصت بعلم ما لم يخص مثله     سواي من الرحمن والعرش والكرسي

أشهدت من علم الغيوب عجائبا        تصان عن التذكار في عالم الحس

علوم لنا في عالم الكون قد سرت       من المغرب الى طلع الشمس

فيــــا عجــــبا اروح واغتدي         غريبا وحيدا في الوجود بلا جنس "
( ديوان ابن العربي )


لقد حاول كثير ممن جاؤوا من الصحراء  سبر أغوار علوم الشيخ الأكبر ابن العربي، و ابن العربي الذي استوطن الوادي المقدس طوى بعد ان خلع نعليه، أنس نار ربه فاستضاء بنورها، وهو محيط لا قعر له. فليس كل من يجيد السباحة يجيد الغوص، و لا كل الغواصين يتقنون جمع اللؤلؤ والمرجان من المحيط ، فبعضهم يخرج بعظام نخرة وأخال الكثير ممن حاولوا الغوص في محيطه جاؤوا له دون عدته، فهم على سبخة خلجان وابن العربي قد أبحر من مرفأ ليخوض محيط بلا شطآن ، يغوص في بحر بلا قعر ، فامست سفينته محملة من كل زوجين اثنين وحوته داجي الظلمات ترك الصخرة فعام في البحر، فلا يترك الغوص حتى يبلغ مجمع البحرين، و قد ترك البحر رخوا ورائه ، فحذار لمن يركب رخو البحر.

فجمع اللؤلؤ فن وجَلَد وخبرة، وليس كل اللؤلؤ سواء ، فلآلي ابن العربي ناصعة البياض و نورها مشع تذهب ببصر من يحاول فتح صدفتها ان لم يكن لديك بصيرة.

و لقد حَذُر من ركب رخو البحر وراء ابن العربي و ما ارعى أو ما اهتدى من ركب البحر، فقد اسلموا قلوبهم لعقولهم و ابن العربي سلم عقله لنور قلبه.

هم وهو كإبليس وآدم ، حينما أمر الله إبليس بالسجود لآدم ، فامتنع و قال "خلقتني من نار وخلقته من طين" و ما علم أن الطين اجتمعت فيه كل الأسرار ، وما علموا ، فلا يغرنك ما أصابك من نور، فقد كان إبليس ملك من الملائكة الكروبيون ، فأصابه الغرور  فنهره ربه و قال له  "اخرج منها إنك رجيم إلى يوم يبعثون".

فآه لابن آدم يبصر ولا يبصر ، ويسمع ولا يسمع ، حواسه حجب، و نوره ظلمات، و فراشه التراب، وتابوته الأرض، وقميصه الزاهي من صلصال من حمأ مسنون ، و شبابه فانٍ.

إن أصاب من العلم مقدار كفه خُيّل إليه أنه اغترف البحر، وأنا و أنتم  يا سادتي لم تمتلئ أكفنا  بعذب الماء ، فكل ما اغترفناه هو ملح أجاج لا يصلح للشرب فلن يزيدنا إلا عطشا. نبحث عن الماء، والماء المعين في كتاب ربنا القرآن الحكيم، إن شئت أن تغرف من نهرا من الكوثر و ينبوعا للحياة.

كانت لأبن العربي عند العبد الصالح الذي آتاه الله من لدنه علما، مولاه علي ابن ابي طالب عليه السلام حظوة ورفقة، فقد صب من ريق علمه إلى قلبه فوعاها، و له مع أستاذه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام جلسات ، فجلس ابن العربي القرفصاء بين يديه مطأطئا له رأسه حانيا له هامته ، فرفعه الله حين أخذا بيده إلى أول مقامات العروج و صعد سلم سماواته (السماوات) فضاقت أنفاسه و شهق زفيره وزمجرت أوداجه ، فقد ركب مركبا صعبا لا يركبه إلا الأولياء و الأنبياء.

فتوسل مولاه جعفر فأجاره إلى ركوب السلالم فصعد من السلم درجة فزهقت روحه.

ثم استجار مولاه علي فردت إليه الروح وصعد من السلم درجه فزهقت روحه.

فعلم أن لا مجير له إلا الكامل المكمل حبيب الله خير البشر محمد بن عبدالله بن خير الأوصياء عبدالمطلب صلوات ربنا عليه و على المصطفين من أجداده فلم يجار لأنه لم يطرق الباب ولم يقرأ "و لسوف يعطيك ربك فترضى" و لم يقرأ "حم السجدة" و لم يقرأ  "كهيعص".

فرجع القهقرى و دعا ربه أن يشمله في عنايته ويخصه من الصلوات ومن السلام الذي خص به من قال فيه "وإنك لعلى خلق عظيم"، فعلم أن رضا الرب من رضا من كان رضاه قد احتوى الحب والعشق.

فدخل الحرم و طاف حول البيت العتيق بين الركن والمقام و توسد حجر اسماعيل و تعلق بأستار البيت تحت المرزام حتى أخذته الرحمة فغفت جفونه ورأى في المنام ملائكة الرحمن تعرج به سماء بعدها سماء وبعدها سماء إلى سماء سابعة ربنا.

فلم يجد إلا محمد صلى الله عليه وآله و سلم.

فنوره نور من نجم هوى فاستظل به.

مع تحياتي
اخوكم
رياض الشيخ باقر
٢٠١٥/٣/١٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق