الثلاثاء، 31 مارس 2015

قواعد العشق الأربعون: الحلقة السابعة


شخوص الرواية في القرن الواحد و العشرين


تستدير الكاتبة إليف شافاق إلى واقع عصرنا المعاش فتطل عليه ببراعة بين الحين والآخر عبر شخصيتين أكاد أجزم أنها ظهرت من خلال إحداهما بالرغم من كون هذه الشخصية التي انتقتها رجل وليس امرأة . وبنظري كانت هذه الاطلالة ذات حبك فني جميل فعلاقتها بأحداث القرن الثالث عشر وطيدة ومترابطة. فمن خلال شخصية السيدة إيلا روبنشتاين التي تعيش في مدينة نورثامباون بولاية ماساشوستس الامريكية، والحائزة على إجازة في الأدب الانجليزي من جامعة سمث، والتي تفرغت لعائلتها بالرغم من طموحها أن تكون ناقدة مشهورة، واكتفت بكونها ناقدة وقارئةغير متفرغة للأدب، جعلها تتعرف على رواية تحكي قصة الشاعر الصوفي المعروف الرومي، الذي يعد "شكسبير" العالم الاسلامي ودرويش عاش في القرن الثالث عشر.

إنها رواية صوفية، وذلك عبر وكالة أدبية يقع مقرها في بوسطن. و لم تعلم الرابط بين الرواية وبينها و هي تعيش في عام ٢٠٠٨ وفي قارة بعيدة عن مكان وقوع أحداث تلك الرواية، وعبر تنقل جميل حكت الكاتبة هموم هذه السيدة غير المتدينة التي تأتي من أصول يهودية، وتعيش في عصرنا وقد  شارفت على الأربعين. وبالرغم من توفر كل أساليب الراحة والكماليات من بيت فاره وأثاث فاخر وسيارة ووسائل اتصالات الكترونية متعددة، إلا إنها تعيش حالة من الخواء الفكري والروحي، فعلاقتها مع أبنائها الثلاثة روتينية لا يجمعهم إلا وجبات الفطور أو الغداء، كما أن الحب الذي يجمعها مع زوجها أخذ يضمحل إن لم يكن فُقد عبر المغامرات الجنسية المتعددة التي يقيمها زوجها سواء مع سكرتيرته او مع السيدات اللاتي يتعالجن في عيادة الأسنان التي يمتلكها. كما أن ابنتها الكبرى ارتبطت بمشروع زواج من رجل غير يهودي و هي لا تزال في الجامعة، وهي تعتبر الارتباط من شخص ينتمي الى خلفية مختلفة مقامرة كبيرة، لذا قامت بمحاربة الخطوة التي أقدمت عليها ابنتها مما وتّر أجواء عائلتها أكثر مما هي متوترة.

في خضم مشاغلها و مآسيها و حالة الاكتئاب التي تصاحبها جراء بلوغها الأربعين، استلمت مهمة غريبة زادت من حيرتها، ولكن شخصيتها التي لا تعرف القنوط لم تستسلم لما حولها من وقائع جعلت من حياتها روتينية وراكدة كالبحيرة الراكدة، وخطر في بالها أن هذه الرواية ستكون بمثابة الحجر الذي تلقيه في البحيرة فتحرك مياهها الراكدة، لذا قامت وفضت المظروف الذي وصلها للتو  للبدء بقراءة المخطوطة، كان عنوان الرواية مكتوب على الغلاف بحبر أزرق "الكفر الحلو" وبجانبها ملاحظة مكتوبة بخط اليد:

"تحيات من أمستردام، تدور أحداث الرواية المرسلة طيه في القرن الثالث عشر في قونية بآسيا الصغرى، لكني أظن بصدق أن أحداثها تسري على الجميع عبر البلدان والثقافات والقرون.

أرجو أن يتاح لكم الوقت لقراءة رواية "الكفر الحلو" وهي رواية باطنية تاريخية تتحدث عن العلاقة الرائعة التي تربط بين الرومي، أفضل شاعر وأعظم زعيم روحي مبجل في التاريخ الاسلامي  وشمس التبريزي الدرويش المميز المجهول المليء بالفضائح والمفاجآت، أرجو ان يرافقكم الحب دائماً  وأن يحيط بكم على الدوام"

ومن خلال الوكالة الأدبية التي أناطت لها عمل دراسة حول هذه الرواية، تعرّفت على كاتبها فقد رأت أنه من الأفضل التواصل بين الكاتب و بين الناقد لذا قامت مندوبة الوكالة بالاتصال بها و تشجيعها على ذلك.

وعلى نقيض من هذه الشخصية يبرز كانب غير مشهور، عبر شخصية السيد عزيز زاهارا أوروبي من أصول باكستانية يعيش في هولاندا / أمستردام وهو ذو ميول روحانية وفكرية صقلت تصرفاته و نظرته للحياة، فهو كثير السفر في مهمات لها علاقة بالمآسي الإنسانية التي تعصف بالبشر على كوكب متأزم لا تكفيه آلام الأمراض ومآسيها بل أخذ يشن الحروب و يفتعلها حاصداً أرواح مئات الآلاف و تاركىً خلفه دمار ومآسي لا يعلمها إلا الله.

فمن خلال ترحاله الدائم اكتسب خبرة عريقة في معرفة الحياة، و لما كان العشق جوهر الحياة وهدفها السامي، كما يذكر الرومي فإنه يقرع أبواب الجميع، وإن العشق ليس مجرد شعور حلو مقدر له أن يأتي و يذهب بسرعة.

بدافع الفضول وقبل الاتصال بالكاتب قامت السيدة إيلا بفتح قوقل و كتبت ع ز زاهارا.

ظهرت لها مدونة شخصية بلونين بنفسجي وفيروزي، وفي أعلى الصفحة رجل يرتدي عباءة بيضاء طويلة وهو يدور ببطء حول نفسه  (رقصة الدراويش) و كان عنوان المدونة "قشرة بيض تدعى الحياة" و كتبت قصيدة تحتها تحمل نفس العنوان تقول:

ليختر أحدنا الآخر رفيقا له
و ليجلس أحدنا عند قدمي الآخر
ففي داخلنا الكثير من الانسجام
ولا تظن أننا ما نراه فحسب

كما وجدت إحدى قصائد الرومي :
إختر الحب ، الحب
فمن دون حياة الحب العذبة
تمسي الحياة عبئا ثقيلا
كما ترى

في أسفل الصفحة كان البريد الالكتروني للسيد عزيز زهارا
خطر في بالها ان ترسل له رسالة الكترونية لتتعرف عليه و لتعرّفه على مهامها التي أناطت لها الوكالة، و بذلك تم التعرف بين كاتب كثير التنقل يعيش هموم الآخرين وبين ناقد منغمس في همومه وقابع في بيته.

وصلت رسالة السيدة/ إيلا للسيد زهارا وهو في غواتيمالا في قرية تدعى موموستينانغو وهي إحدى الأماكن القليلة المتبقية التي لا يزال يستخدم سكانها تقويم شعب المايا.

أخوكم
رياض الشيخ باقر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق