الاثنين، 30 مارس 2015

قواعد العشق الأربعون: الحلقة الخامسة

شمس التبريزي

(المقتول يتحدث عن نفسه بين عالمي الملكوت و الناسوت)

ارتعشت أمام عيني ضوء الشموع  وغمرتني إشراقة، فقد رأيت البئر وسط فناء البيت الكبير وشعرت بلذة برودة الماء وصفاء ليلة خريفية. وبان البدر في كبد السماء، ولكن عكّر كل ذلك عويل ونعيق وحزن عينان عميقتان من وجه لطيف يتلفت يبحث عني يصرخ
"شمس، شمس، أين أنت؟"

هبت ريح وغاب القمر كأنه لا يريد أن يشهد ما سيحدث، توقف البوم عن النعيب ولم يعد الخفاش يصفق جناحيه وخمدت النار عن اصطفاقها وأطبق السكون.

انحنى الرجل على البئر و مد يده صارخا: "شمس يا أعز أعزائي هل انت هنا؟"

فتحت فمي لأجيب، و لكن لم ينبعث صوتا.

لم يرَ شيئاً، وبعد قليل رأى يدي تطوف بلا هدف فوق الماء، ثم لاح وجهي ورأى عيناي المحدقتان بالبدر تنتظران تفسيرا من السماء عن سبب قتلي.

خر الرجل ساجدا جاهشا بالبكاء ضاربا صدره بقبضتي يديه ويصرخ "لقد قتلوه، لقد قتلوا شمساً"

كنت أريد أن أعرف المزيد عن موتي، وتمنيت أن أبقى في رؤياي، ولكن أحدهم من العالم الآخر ( الناسوت ) أمسكني من ذراعي وهزني حتى جرتني قبضته إلى هذا العالم.

لقد جاءتني رؤية نقلتني من عالم إلى عالم، فنحن الدراويش الجوالون نصوم النهار كله ونصلي ونمشي تحت أشعة الشمس الحارقة ويظن الناس أننا نهلوس، والحق أن هناك خيطا رفيعا بين أن تستغرق في الله وأن تفقد عقلك. وما فائدة هذا التجوال؟ إن البؤس والتعاسة منتشرتان في كل مكان، فالناس بعد أن يكرعوا بعض من كؤوس الخمر، تسمع منهم نفس القصص، فالبشر هم أنفسهم سواء في كل مكان.

ولكن من يبحث عن شيء مختلف غير من يبحث عن الله. و كثير منا يبحث عنه في المكان الخطأ و بطريقة خاطئة، فعندما يذكر المرء الله بسوء، فإنه يسيء التكلم عن نفسه.

ألا يقول الله "ونحن اقرب إليه من حبل الوريد"؟ فالله لا يقبع بعيدا في السماوات العلى، بل يقبع في داخل كل منا. لذلك فهو لا يتخلى عنا  فكيف له أن يتخلى عن نفسه؟

وقد يتسائل البعض: "إن كان الله هنا فهو لا يحرك ساكنا ونحن نعاني من أسوأ النهايات فماذا يعني ذلك"؟ هل العنف من شيم البشر؟ وإن لم يكن، فقد أصبح كذلك. عندما ينسانا الله و يتركنا وحيدين، يترتب على الناس العاديين أن يصبحوا أشداء و يحققوا العدالة بأيديهم. فعندما يتخلى الرب عن حملانه فلن تنتظر هذه الحملان بوداعة وخنوع حتى تذبح بل ستتحول إلى ذئاب.

انها القاعدة الأولى من قواعد العشق الأربعين:

"إن الطريقة التي نرى فيها الله ما هي إلا انعكاسة للطريقة التي نرى فيها أنفسنا، فإذا لم يكن الله يجلب إلى عقولنا سوى الخوف والملامة، فهذا يعني أن قدرا كبيرا من الخوف والملامة يتدفق من نفوسنا. أما إذا رأينا الله مفعما بالمحبة والرحمة، فإننا نكون كذلك."

وهذا يختلف عن الله الذي صورناه في نسج خيالنا.

فالحملان إذا تحولت إلى ذئاب لن تحقق العدالة، وإذا ذبلت النبتة الطيبة في أعماقنا بدأنا نفقد طاقتنا الروحية وتغلب علينا جسدنا ومع ذلك يمكن لكل منا أن يصبح حملا، لأننا لا نزال نحتفظ بالحمل في داخلنا.

أخوكم
رياض الشيخ باقر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق